فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الْأَحْزَابِ: 36] فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْصِيَتَهُ فِي تَرْكِ أَمْرِهِ وَأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إِلَّا اتِّبَاعَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} [الشُّورَى: 52-53] مَعَ مَا عَلَّمَ نَبِيَّهُ. ثُمَّ فَرَضَ اتِّبَاعَ كِتَابِهِ فَقَالَ: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزُّخْرُفِ: 43] وَقَالَ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [الْمَائِدَةِ: 49] وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ كَمَّلَ لَهُمْ دِينَهُمْ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [الْمَائِدَةِ: 3] . إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَقُولُوا غَيْرَهُ إِلَّا مَا عَلَّمَهُمْ فَقَالَ لِنَبِيِّهِ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشُّورَى: 52] وَقَالَ لِنَبِيِّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الْأَحْقَافِ: 9] وَقَالَ لِنَبِيِّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْكَهْفِ: 23] ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ أَنَّهُ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَرِضْوَانَهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيِّدُ الْخَلَائِقِ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاءِ: 36] وَجَاءَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فِي امْرَأَةِ رَجُلٍ رَمَاهَا بِالزِّنَا فَقَالَ لَهُ: يَرْجِعُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ آيَةَ اللِّعَانِ فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النَّمْلِ: 65] وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لُقْمَانِ: 34] الْآيَةَ، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النَّازِعَاتِ: 42] فَحَجَبَ عَنْ نَبِيِّهِ عِلْمَ السَّاعَةِ، وَكَانَ مَنْ عَادَى مَلَائِكَةَ الله المقربين وأنبيائه الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَقْصَرَ عِلْمًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَى خَلْقِهِ طَاعَةَ نَبِيِّهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا.
وَكَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ تَحْكِيمِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَطَرْحِ مَا خَالَفَهُمَا هُوَ الَّذِي نَطَقَا بِهِ وَصَرَّحَتْ