وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ عُلِمَ أَنَّ عَيْنَ قَصْدِهِ هَدْمُ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَتَشْكِيكُ أَهْلِهِ فِيهِ فَهَذَا مَقْطُوعٌ بِكُفْرِهِ بَلْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنِ الدِّينِ مِنْ أَعْدَى عَدُوٍّ لَهُ. وَآخَرُونَ مَغْرُورُونَ مُلَبَّسٌ عَلَيْهِمْ، فَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِمْ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَإِلْزَامِهِمْ بِهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي الْبِدَعِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُكَفِّرَةٍ: وَهِيَ مَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَكْذِيبٌ بِالْكِتَابِ وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ كَبِدَعِ الْمَرْوَانِيَّةِ الَّتِي أَنْكَرَهَا عَلَيْهِمْ فُضَلَاءُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُقِرُّوهُمْ عَلَيْهَا وَلَمْ يُكَفِّرُوهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَمْ يَنْزِعُوا يَدًا مِنْ بَيْعَتِهِمْ لِأَجْلِهَا كَتَأْخِيرِهِمْ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ إِلَى أَوَاخِرِ أَوْقَاتِهَا، وَتَقْدِيمِهِمُ الْخُطْبَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَجُلُوسِهِمْ فِي نَفْسِ الْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَسَبِّهِمْ كِبَارَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمَنَابِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ على اعتقاد شرعية، بَلْ بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ وَشَهَوَاتٍ نَفْسَانِيَّةٍ وَأَغْرَاضٍ دُنْيَوِيَّةٍ.
كَمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا الْيَوْمَ مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْنَا: فأين الصلاة؟ قل: أَوَلَمْ تَصْنَعُوا فِي الصَّلَاةِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ1؟
وَلَهُ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ بِإِسْنَادٍ نَيِّرٍ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَعْرِفُ فِيكُمُ الْيَوْمَ شَيْئًا كُنْتُ أَعْهَدُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ قَوْلَكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، أَفَكَانَتْ تِلْكَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2؟.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْرُجُ يَوْمَ الفطر والأضحى إلى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ