وَعَلَى هَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابَ مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَيَقُولُ: "لَا أَدْرِي", أَوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ, وَلَمْ يَقْبَلْ بِرَأْيٍ وَلَا بِقِيَاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} الْآيَةَ. وَتَرْجَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابَ مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ وَتَكَلُّفِ الْقِيَاسِ {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاءِ: 36] ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعًا, وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ, فَيَبْقَى نَاسٌ جهال يستفتون فيفتون بِرَأْيِهِمْ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ" 1.
وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهَمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ, لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ لَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَرَدَدْتُهُ2. الْخَبَرَ.
وَفِي خُطَبِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَا يُحْصَى أَنْ يَقُولَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ, وَإِنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"3.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَزِيدِ بْنِ عَمِيرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حِينَ يَجْلِسُ إِلَّا قَالَ: اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ, هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ. فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَوْمًا: إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ, فَيُوشِكُ قَائِلٌ يَقُولُ: مَا لِلنَّاسِ لَا يَتْبَعُونِي وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ؟ مَا هُمْ بِمُتَّبِعِي حَتَّى أَبْدَعَ لَهُمْ غَيْرَهُ. فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ؛ فَإِنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ. وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ