سَأَلُوهُ عَنْ وُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى فَقَالَ لَهُمْ دَعُونِي فَإِنِّي مُفَكِّرٌ فِي أَمْرٍ قَدْ أُخْبِرْتُ عَنْهُ, ذَكَرُوا إِلَيَّ أَنَّ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ مُوقَرَةٌ فِيهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْمَتَاجِرِ وَلَيْسَ بِهَا أَحَدٌ يَحْرُسُهَا وَلَا يَسُوقُهَا وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ وَتَسِيرُ بِنَفْسِهَا وَتَخْتَرِقُ الْأَمْوَاجَ الْعِظَامَ حَتَّى تَخْلُصَ مِنْهَا وتسير حيث شائت بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسُوقَهَا أَحَدٌ, فَقَالُوا: هَذَا شَيْءٌ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ, فَقَالَ: وَيْحَكُمْ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُحْكَمَةِ لَيْسَ لَهَا صَانِعٌ؟ فَبُهِتَ الْقَوْمُ وَرَجَعُوا إِلَى الْحَقِّ وَأَسْلَمُوا عَلَى يَدَيْهِ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وُجُودِ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: هَذَا وَرَقُ التُّوتِ طَعْمُهُ وَاحِدٌ تَأْكُلُهُ الدُّودُ فيخرج منه الإبرسيم وَتَأْكُلُهُ النَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْعَسَلُ وَتَأْكُلُهُ الشَّاءُ وَالْبَقَرُ وَالْأَنْعَامُ فَتُلْقِيهِ بَعْرًا وَرَوْثًا وَتَأْكُلُهُ الظِّبَاءُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمِسْكُ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذلك فقال: ههنا حِصْنٌ حَصِينٌ أَمْلَسُ لَيْسَ لَهُ بَابٌ وَلَا مَنْفَذٌ ظَاهِرُهُ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ وَبَاطِنُهُ كَالذَّهَبِ الْإِبْرِيزِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذِ انْصَدَعَ جِدَارُهُ فَخَرَجَ مِنْهُ حَيَوَانٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ذُو شَكْلٍ حَسَنٍ وَصَوْتٍ مَلِيحٍ ا. هـ. يَعْنِي بِذَلِكَ الْبَيْضَةَ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الدِّيكُ وَسُئِلَ أَبُو نُوَاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْشَدَ:
تَأَمَّلْ فِي رِيَاضِ الْأَرْضِ وَانْظُرْ ... إِلَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ
عُيُونٌ مِنْ لجين شاخصات ... بأحداق هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيكُ
عَلَى قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ ... بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكُ
وَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ وَيَرْوِي لِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى:
فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الْإِلَهُ ... أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ
وَلِلَّهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ ... وَفِي كُلِّ تَسْكِينَةٍ شَاهِدُ
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
وَسُئِلَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ عَنْ هَذَا وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ تَعَالَى فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْبَعْرَ لَيَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ وَإِنَّ أَثَرَ الْأَقْدَامِ لَيَدُلُّ عَلَى الْمَسِيرِ فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ وَبِحَارٌ ذَاتُ أَمْوَاجٍ أَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وُجُودِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ؟!
وَمِنْ خُطَبِ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ وَكَانَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَيُّهَا