وَالرَّابِعُ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَةِ وَالْفِتْنَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي سَبَبِ الْحَدِيثِ.

وَالْخَامِسُ: أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالتَّفْضِيلِ فِي نَفْسِ النُّبُوَّةِ فَلَا تَفَاضُلَ فِيهَا, وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ بِالْخَصَائِصِ وَفَضَائِلَ أُخْرَى1. ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهًا أَنَّ التَّفْضِيلَ لَيْسَ إِلَيْكُمْ وَإِنَّمَا هُوَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَعَلَيْكُمُ الِانْقِيَادُ لَهُ وَالتَّسْلِيمُ والإيمان به2. ا. هـ.

قُلْتُ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ ضَعِيفٌ, وَالثَّانِي وَالْخَامِسُ فِيهِمَا نَظَرٌ, وَالرَّابِعُ قَرِيبٌ. وَيَقْوَى عِنْدِي الْوَجْهُ الثَّالِثُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ, فَلَيْسَ التَّفْضِيلُ بِالرَّأْيِ وَمُجَرَّدُ الْعَصَبِيَّةِ, وَلَا بِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَنَقُّصُ الْمَفْضُولِ وَالْحَطُّ مِنْ قَدْرِهِ, كُلُّ هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ مُحَرَّمٌ قَطْعًا مَنْهِيٌ عَنْهُ شَرْعًا, وَهُوَ الَّذِي غَضِبَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ ذَلِكَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, فَغَضِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَهِيُهُ عَنْ ذَلِكَ تَعْلِيمٌ عَامٌّ لِلْأُمَّةِ وَزَجْرٌ بَلِيغٌ لِجَمِيعِهِمْ كَيْلَا يَقَعَ ذَلِكَ أَوْ يَصْدُرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَيَهْلَكُ. وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بِمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَفَعَ بِهِ دَرَجَتَهُ وَنَوَّهَ فِي الْوَحْيِ بِشَرَفِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا ذَكَرْنَا وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْ فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَالتَّسْلِيمُ, فَلَا يُؤْخَذُ عِلْمُ مَا يَخْتَصُّ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَّا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا قَالَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَانِ يُونُسَ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ هَذَا زَاجِرًا عَنْ أَنْ يَتَخَيَّلَ أَحَدٌ مِنَ الْجَاهِلِينَ شَيْئًا مِنْ حَطِّ مرتبة يونس عليه السلام, مِنْ أَجْلِ مَا فِي الْقُرْآنِ مَنْ قِصَّتِهِ؛ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَمَا جرى ليونس عليه السلام, لَمْ يُحِطَّهُ مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَخُصِّصَ يُونُسُ بِالذِّكْرِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ بِمَا ذُكِرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ" فَالضَّمِيرُ قِيلَ يَعُودُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقِيلَ يَعُودُ إِلَى الْقَائِلِ, أَيْ: لَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْضُ الْجَاهِلِينَ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015