وَحَلَاوَةِ لِسَانِهِ وَأَخْذِ الْقُلُوبِ بِمَا تَسْمَعُ مِنْ حَدِيثِهِ. وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَيَذْهَبَنَّ وَلَيَسْتَمِيلَنَّ قُلُوبَ قَوْمٍ ثُمَّ يَسِيرُ بِهِمْ إِلَيْكُمْ فَيُخْرِجُكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ. قَالُوا: صَدَقَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ, فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ لَأُشِيرَنَّ عَلَيْكُمْ بِرَأْيٍ مَا أَرَى غَيْرَهُ؛ إِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ شَابًّا نَسِيبًا وَسِيطًا فَتِيًّا ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ, فَإِذَا قَتَلُوهُ تفرق دمه في الْقَبَائِلِ كُلِّهَا, وَلَا أَظُنُّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَقْوَوْنَ عَلَى حَرْبِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا, وَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ قَبِلُوا الْعَقْلَ فَتُؤَدِّي قُرَيْشٌ دِيَتَهُ. فَقَالَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ: صَدَقَ هَذَا الْفَتَى وَهُوَ أَجْوَدُكُمْ رَأْيًا, الْقَوْلُ مَا قَالَ لَا أَرَى رَأْيًا غَيْرَهُ, فَتَفَرَّقُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ, فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ, وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي يَبِيتُ فِيهِ, فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ, فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ وَقَالَ لَهُ: "اتَّشِحْ بِبُرْدَتِي هَذِهِ فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إِلَيْكَ مِنْهُمْ أَمْرٌ تَكْرَهُهُ" 1.

ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَخَذَ اللَّهُ أَبْصَارَهُمْ عَنْهُ, فَجَعَلَ يَنْثُرُ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَهُوَ يَقْرَأُ {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} إِلَى قَوْلِهِ: {فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 8] وَمَضَى إِلَى الْغَارِ مِنْ ثَوْرٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ, وَخَلَّفَ عَلِيًّا بِمَكَّةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ عَنْهُ الْوَدَائِعَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ, وَكَانَتِ الْوَدَائِعُ تُودَعُ عِنْدَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ, وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا فِي فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْسَبُونَ أَنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أَصْبَحُوا سَارُوا إِلَيْهِ فَرَأَوْا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ وَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ, فَلَمَّا بَلَغُوا الْغَارَ رَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ, فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَهُ لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ2, فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الْأَنْفَالِ: 30] وَبَسْطُ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ مَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015