قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ" قَالَ: هَذِهِ لَفْظَةٌ أَحْسَبُ عَائِشَةَ تَكَلَّمَتْ بِهَا فِي وَقْتِ غَضَبٍ, كَانَتْ لَفْظَةٌ أَحْسَنَ مِنْهَا يَكُونُ فِيهَا دَرْكٌ لِبُغْيَتِهَا, كَانَ أَجْمَلَ بِهَا, لَيْسَ يَحْسُنُ فِي اللَّفْظِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ أَوْ قَائِلَةٌ قَدْ أَعْظَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفِرْيَةَ وَأَبُو ذَرٍّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَجَمَاعَاتٌ مِنَ النَّاسِ الْفِرْيَةَ عَلَى رَبِّهِمْ, وَلَكِنْ قَدْ يَتَكَلَّمُ الْمَرْءُ عِنْدَ الْغَضَبِ بِاللَّفْظَةِ الَّتِي يَكُونُ غَيْرُهَا أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ مِنْهَا, أَكْثَرُ مَا فِي هَذَا أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَبَا ذَرٍّ وَابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِ اخْتَلَفُوا: هَلْ رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمْ يَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ, وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَدْ رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ, وَقَدْ أَعْلَمْتُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِنَا أَنَّ النَّفْيَ لَا يُوجِبُ عِلْمًا, وَالْإِثْبَاتَ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْعِلْمَ. لَمْ تَحْكِ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَبَّرَهَا أَنَّهُ لَمْ يَرَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ1, وَإِنَّمَا تَلَتْ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الْأَنْعَامِ: 103] وَقَوْلَهُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشُّورَى: 51] وَمَنْ تَدَبَّرَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَوُفِّقَ لِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْآيَتَيْنِ مَا يَسْتَحِقُّ مَنْ قال إن محمد رَأَى رَبَّهُ الرَّمْيَ بِالْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ, كَيْفَ بِأَنْ يَقُولَ قَدْ أَعْظَمَ الْفَرْيَةَ عَلَى اللَّهِ, ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ