لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزُّمَرِ: 53-55] قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ, وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, قَالَ: فَقَالَ هِشَامٌ: لَمَّا أتتني جعلت أقرؤها بِذِي طُوًى, أَصْعَدُ بِهَا فِيهِ وَأُصَوِّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا, حَتَّى قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَفْهِمْنِيهَا. قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِي أَنَّهَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا وَفِيمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا, فَرَجَعْتُ إِلَى بَعِيرِي فَجَلَسْتُ عَلَيْهِ فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ"1.
وَالْأَحَادِيثُ فِي شَأْنِ التَّوْبَةِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا وَفِي تَكْفِيرِهَا لِلذُّنُوبِ كَثِيرَةٌ جِدًّا, لَهَا مُصَنَّفَاتٌ مُسْتَقِلَّةٌ, وَحَيْثُ ذُكِرَتْ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ, وَهِيَ الَّتِي اجْتَمَعَ فِيهَا ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:
الْأَوَّلُ: الْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ.
الثَّانِي: النَّدَمُ عَلَى فِعْلِهِ.
الثَّالِثُ: الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فِيهِ.
فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَزِمَ اسْتِحْلَالُهُ مِنْهُ إِنْ أَمْكَنَ, لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ لِأَخِيهِ مَظْلِمَةٌ فَلْيَتَحَلَّلْ مِنْهُ الْيَوْمَ, فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ" 2 الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّوْبَةِ.
وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي زَمَانِهَا فَهُوَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِنَا "قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ" وَهِيَ حَشْرَجَةُ الرُّوحِ فِي الصَّدْرِ, وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الِاحْتِضَارُ عِنْدَمَا يَرَى الْمَلَائِكَةَ وَيَبْدَأُ بِهَا السِّيَاقُ, قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ