يَتَوَهَّمَ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ أَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ يَجْتَمِعُونَ فِي النَّارِ فِي الدَّرَجَةِ مَعَ مَنْ كَانَ يَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَدْعُو لَهُ شَرِيكًا أَوْ شُرَكَاءَ فَيَدْعُونَ لَهُ صَاحِبَةً وَوَلَدًا وَيَكْفُرُ بِهِ وَيُشْرِكُ وَيَكْفُرُ بِكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَيُكَذِّبُ جَمِيعَ الرُّسُلِ وَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ وَيَرْتَكِبُ الْمَعَاصِيَ فَيَعْبُدُ النِّيرَانَ وَيَسْجُدُ لِلْأَصْنَامِ وَالصُّلْبَانِ, فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْبَابَ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ تَكْذِيبِ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ مِنَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إِخْرَاجِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ, إِذْ مُحَالٌ أَنْ يُقَالَ أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ لَيْسَ فِيهَا, وَأَكْثَرُ اسْتِحَالَةً مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ لَيْسَ فِيهَا. وَفِي إِبْطَالِ أَخْبَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اضْمِحْلَالُ الدِّينِ وَإِبْطَالُ الْإِسْلَامِ, وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ جَمِيعِ الْكُفَّارِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنَ النَّارِ, وَلَا سَوَّى بَيْنِ عَذَابِ جَمِيعِهِمْ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النِّسَاءِ: 145] وَقَالَ: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غَافِرٍ: 46] .

ثُمَّ لَمَّا انْتَهَى مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُرْجِئَةُ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَكَفَرَ بِهِ الْخَوَارِجُ وَرَدُّوهُ بِبَاطِلٍ آخَرَ, شَرَعَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَيَانِ مَا تَشَبَّثَ بِهِ الْخَوَارِجُ وَاحْتَجُّوا بِهِ عَلَى بَاطِلِهِمْ, وَمَا كَفَرَ بِهِ الْمُرْجِئَةُ وَرَدُّوهُ بِبَاطِلٍ آخَرَ. فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَابِتَةً مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ, جَهِلَ مَعْنَاهَا فِرْقَتَانِ: فِرْقَةُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ احْتَجُّوا بِهَا وَادَّعُوا أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ التَّوْبَةِ مِنْهَا مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ الْجِنَانُ. وَالْفِرْقَةُ الْأُخْرَى الْمُرْجِئَةُ كَفَرَتْ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ وَأَنْكَرَتْهَا وَدَفَعَتْهَا جَهْلًا مِنْهَا بِمَعَانِيهَا. وَأَنَا ذَاكِرُهَا بِأَسَانِيدِهَا وَأَلْفَاظِ مُتُونِهَا وَمُبِينٌ مَعَانِيهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ.

ثُمَّ ذَكَرَ بِأَسَانِيدِهِ حَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ, قَالَ رَسُولَ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ" 1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015