وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ, وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ, وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" 1.

فَهَذِهِ الْخِصَالُ كُلُّهَا نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ لَا يُخْرِجُ مِنَ الدِّينِ إِلَّا إِذَا صَحِبَهُ النِّفَاقُ الِاعْتِقَادِيُّ الْمُتَقَدِّمُ.

وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَأَضْرَابُهُمْ مِنَ التَّشَبُّثِ بِنُصُوصِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ الْأَصْغَرِ وَاسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَى الْأَكْبَرِ فَذَلِكَ مِمَّا جَنَتْهُ أَفْهَامُهُمُ الْفَاسِدَةُ وَأَذْهَانُهُمُ الْبَعِيدَةُ وَقُلُوبُهُمُ الْغُلْفُ, فَضَرَبُوا نُصُوصَ الْوَحْيِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ, وَاتَّبَعُوا مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ.

فَقَالَتِ الْخَوَارِجُ: الْمُصِرُّ عَلَى كَبِيرَةٍ مِنْ زِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ رِبًا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ خَارِجٌ مِنَ الدِّينِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ أَقَرَّ لِلَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ وَلِلرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَلَاغِ, وَصَلَّى وَصَامَ وَزَكَّى وَحَجَّ وَجَاهَدَ وَهُوَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ أَبَدًا مَعَ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ وَمَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ.

وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْعُصَاةُ لَيْسُوا مُؤْمِنِينَ وَلَا كَافِرِينَ وَلَكِنْ نُسَمِّيهِمْ فَاسِقِينَ, فَجَعَلُوا الْفِسْقَ مَنْزِلَةً بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا لَهُ بِمَنْزِلَةٍ فِي الْآخِرَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ. بَلْ قَضَوْا بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ أَبَدًا كَالَّذِينِ قَبْلَهُمْ, فَوَافَقُوا الْخَوَارِجَ مَآلًا وَخَالَفُوهُمْ مَقَالًا, وَكَانَ الْكُلُّ مُخْطِئِينَ ضُلَّالًا.

وَقَابَلَ ذَلِكَ الْمُرْجِئَةُ فَقَالُوا: لَا تَضُرُّ الْمَعَاصِي مَعَ الْإِيمَانِ لَا بِنَقْصٍ ولا مُنَافَاةٍ, وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بِذَنْبٍ دُونَ الْكُفْرِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَلَا تَفَاضُلَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ إِيمَانِ الْفَاسِقِ الْمُوَحِّدِ وَبَيْنَ إِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ, حَتَّى وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ, لَا وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ المؤمنين والمنافقين, إذ الْكُلُّ مُسْتَوْفِي النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا اعْتِقَادَهُمْ فِي بَحْثِ الْإِيمَانِ. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015