فِيهِ سِرَاجٌ يُزْهِرُ, فَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ. وَقَلْبٌ أَغْلَفُ, فَذَلِكَ قَلْبُ الْكَافِرِ. وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ, فَذَلِكَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ. وَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ, وَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ يَسْقِيهَا مَاءٌ طَيِّبٌ, وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ قُرْحَةٍ يَمُدُّهَا قَيْحٌ وَدَمٌ, فَأَيُّهُمَا غَلَبَ عليه غلبه" 1 ا. هـ. وَهَذَا الْمَوْقُوفُ قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ حَسَنٍ, فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ: قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ, وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ, وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ, وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ, فَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ, وَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ. وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ, وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ, وَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ, وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الدَّمُ وَالْقَيْحُ, فَأَيُّ الْمَادَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ" 2.
وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ وَآثَارُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي هَذَا الْبَابِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَحْصُرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ. وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي الدِّينِ بِتَفَاوُتِ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ, مُتَفَاضِلُونَ فِيهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ, فَأَفْضَلُهُمْ وَأَعْلَاهُمْ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. وَأَدْنَاهُمُ الْمُخَلِّطُونَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ. وَبَيْنَ ذَلِكَ مَرَاتِبُ وَدَرَجَاتٌ لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ, وَكَمَا يَتَفَاوَتُونَ فِي مَبْلَغِ الْإِيمَانِ مِنْ قُلُوبِهِمْ يَتَفَاوَتُونَ فِي أَعْمَالِ الْإِيمَانِ الظَّاهِرَةِ, بَلْ وَاللَّهِ يَتَفَاضَلُونَ فِي عَمَلٍ وَاحِدٍ يَعْمَلُهُ كُلُّهُمْ فِي آنٍ وَاحِدٍ وَفِي مَكَانٍ وَاحِدٍ, فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ صَافُّونَ كُلُّهُمْ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ, مُسْتَوُونَ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ, وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ, وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ, وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ, وَالتِّلَاوَةِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ, وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ, فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ وَخَلَفَ إِمَامٍ وَاحِدٍ, وَبَيْنَهُمْ مِنَ التَّفَاوُتِ