هذا هو الإيمان. إن الله جعل الكسب مَنوطاً بالعمل، والنبات مقروناً بالحرث والزرع، والشفاء موقوفاً على الطب والعلاج. فمن قعد وطلب الربح لم يربح، ومن أراد الحصاد ولم يزرع لم يحصد، ومن طلب الشفاء ولم يتداوَ لم يُشْفَ. والله لا يُبَدّل قوانين الكون وسنن الوجود إرضاء لكسول أو خَمول. فاعمل وادأب، وخذ وطالب، ولا تسكت عن حقك ولا تقصّر في ابتغائه، ولكن لا تدع اليأس يدخل عليك والحقد الأسود يأكل قلبك، ولا تقل: ما لفلان وفلان؟ فلقد كنت يوماً مثلك؛ أجد من هم دوني ومن كانوا تلاميذي قد حازوا الجاه والمال وبلغوا أعلى المناصب فأتألم، ثم قلت لنفسي: "يا نفس ويحك، ومن أعطاك العهد على أن تكوني أبداً فوق الناس، أوَليس خيراً لك يا نفس أن أدخل على وزير أو كبير فيجلّني ويراني مثله، من أن أدخل على من يستصغرني ويراني دونه، أوَلست في خير؟ أوَلا أتقلّب في النعم؟
وبرئت من مرض الحسد فاسترحت، وصرت أنظر إلى نعم الله عليّ فأراني لا أستحق بعضها. وهأنذا اليوم لا أشكو شيئاً وأعبّ السعادة، والله، عبّاً.
وليس في الدنيا أحدٌ لا يجد من هو أفضل منه في شيء ومن هو أقلّ منه في أشياء. إن كنت فقيراً ففي الناس من هو أفقر منك، وإن كنت مريضاً أو معذَّباً ففيهم من هو أشدّ منك مرضاً وأكثر تعذيباً، فلماذا ترفع رأسك لتنظر من هو فوقك ولا تخفضه لتبصر من هو تحتك؟ إن كنت تعرف مَن نال من المال والجاه ما لم تنله أنت وهو دونك ذكاء ومعرفة وخُلقاً، فلمَ لا تذكر مَن أنت دونه