ومن الشبان من يصفف شعر رأسه تصفيفاً فنياً يشتغل به نصف ساعة، ويبقى النهار كله خائفاً أن تهب نسمة هواء أو أن تقترب منه يد طائشة في الترام فتفسد هندسته. وربما أدركته الحكة فاحتمل ألمها طول النهار ولم يستطع أن يمد أصبعه فيحكه، لماذا؟ لأجل الناس! وكل خير هو للناس!
المرأة ظرفها ولطفها للناس. تقابل ضيوفها وصديقاتها بالوجه المشرق والفم الباسم والجَرْس الناعم والأدب البالغ، وزوجها ليس له إلا التجهم والنظر الشزر واللفظ الجافي. وكذلك يصنع الزوج!
وزينتها للناس، إذا خرجت تزيّنت للغرباء وتعطرت وارتدت أجمل أثوابها، وزوجها لا تلقاه إلا منفوشة الشعر كالحة الوجه، تسبقها روائح السمن والبصل والثوم. وكذلك يصنع الزوج!
والمائدة المرتَّبة في غرفة الطعام للناس؛ فإذا جاء الناس صُفَّت الأطباق والصحون ونُضِدت الأوراد والزهور، وإن لم يكن أحد كان الأكل في المطبخ. وغرفة النوم ذات الأسرّة المرتبة والأغطية المطرزة ليراها الناس، وأصحابها ينامون في غرفة أخرى فيها أسرّة من حديد ولحف بلا ملاحف!
نتعب أنفسنا ونقيد أعناقنا وأرجلنا للناس، وكل خير عندنا للناس. وإن أردنا أن نزوج البنت لم ننظر إلى مصلحتها ومصلحة زوجها ولم نفكر في إسعاد حياته وحياتها، ولكن فكّرنا في أيام العرس وحدها وسعينا لإرضاء الناس فقط.
لا نسأل (إلا قليلاً) عن أخلاق الرجل وطباعه، بل نسأل عن