إن القصد ليس المال وحده، بل الاشتغال في العطلة والتعود على العمل والتمرّن على مواجهة الحياة والاعتماد على النفس.
وربما قال أحد الآباء: أنا أشغل ولدي أجيراً؟ أعوذ بالله! إنني أعطي ولدي ثلاث ليرات خرجية في اليوم فلماذا أكلّفه أن يشتغل طول النهار ليحصل على نصف ليرة؟
وإني أقول لهذا الأب الغني: إن روكفلر لم يكن يعطي ولده شيئاً إلاّ مقابل عمل، وقد جعل له نصف بنس (أي أقلّ من نصف فرنك) مقابل كل ثغرة في سياج الحديقة يكشف حاجتها إلى الإصلاح، ثم جعل له عن كل ساعة يعملها في إصلاحها سبعة بنسات ونصف. وروكفلر (إن كنت لا تعلم يا أيها الأب الغني) كان يدخل عليه كل دقيقة أكثر من مئتي ليرة، وله أعمال خيرية هائلة منها مؤسسة الصحة التي تنفق كل سنة ما يعادل ثمانية ملايين ليرة سورية، فلم يكن بخيلاً ولا فقيراً وكان يستطيع أن يجعل خرجية ولده ألف ليرة في اليوم ولا يحسّ بدفعها، ولكنه ضيّق عليه فجعل منه رجلاً مثله، وأنت بتدليلك ولدك وبهذه التوسعة عليه تجعله مخنثاً، لا يعرف للمال قيمة ولا يدري سبيل الاعتماد على النفس.
ثم إن الليرة الواحدة التي يكسبها الولد بعمله يكون لها من القيمة ويكون له بها من اللذة ما لا تعدله قيمة مئة ليرة يأخذها من أبيه ولا لذتها، وهذا شيء لا يعرف إلاّ بالتجربة.
* * *