من كتبه، وكتبه أعز شيء عليه. وكان قد أنفق في شرائها كل ما تملك يداه، لا سيما المخطوط النادر منها. وكان يرضى أن يبيع الكتاب لدار الكتب المصرية بعشرين ولا يرضى أن يبيعه للمتحف البريطاني بمئة، ليبقى الكتاب في أيدي المسلمين، حتى لم يكد يبقى عنده من الكتب إلاّ القليل.
فقال أحمد تيمور باشا للشيخ علي يوسف صاحب المؤيّد (كما يروي خالي الأستاذ محب الدين الخطيب): ألا ترى يا أستاذ أنّ من الواجب على مصر أن تعرف لهذا العالم الجليل قدره فتستفيد من علمه وفضله في دار الكتب مثلاً، وهو اليوم أعلم الناس بالكتب الإسلامية وقد كان هو المؤسس للمكتبة الظاهرية في دمشق؟
فوعده الشيخ علي بالسعي في ذلك. وكانت له منزلة معروفة في المعيّة الخديوية وفي وزارات الحكومة، وكل وزير يتمنى أن تكون له يد عند الشيخ علي يوسف ليقابله بمثلها عند الحاجة.
ولكن الشيخ لمّا بلغه الأمر اعتذر بأنه اعتاد المطالعة في الليل إلى الفجر وليس من السهل تغيير عادته وهو في سن الشيخوخة. فسعى له الشيخ علي فرُتّب له معاش من الخديوي، وذهب تيمور باشا يبلغه ذلك، فقال له الشيخ طاهر: كأني كنت معك لما كلّمت الخديوي بشأني، وقلتَ له إنك سمعتني أثني عليه لعنايته بالكتب العربية. ولكن من الذي يضمن لك أني لا أقف منه عكس هذا الموقف إذا صدر منه ما يناقض ذلك العمل؟ الأحسن يا أستاذ ألاّ تعرض نفسك لما قد يَسْوَدُّ به وجهك بسببي، وإني بحمد الله في سعة ولا حاجة بي إلى الرواتب ولا إلى الوظائف، فأرجو أن تعمل لقطع هذا الراتب.