وهذا الفساد ما جاء في يوم واحد حتى يذهب في يوم واحد، بل إن النساء ما فتئن يقصّرن الثياب أصبعاً أصبعاً حتى بلغن بها ما نراه اليوم. وأنا لا أكره الحجاب السابغ، ولكني أحب لمن يتصدر للإصلاح أن يتكلم من الأرض لا من رؤوس المآذن، وأن يرسم الطريق الموصل للإصلاح العملي الممكن لا أن ينظم القصائد الخيالية في تمجيد المثل العليا.
أما فتح بيوت الزنا فالجواب عليه من وجوه. أولها: أن الزنا شرٌّ كالقتل والجرح والسرقة، وليس في الدنيا عاقل يراه خيراً، فإذا جاز أن نفتح له بيتاً نبيحه فيه بحجة أنه لا يخلو من الزنا زمان ولا مكان، فلماذا لا نعمد إلى حي من الأحياء أو قرية من القرى فنعلن أن القتل أو الجرح مباح فيها، ما دام القتل والجرح لا يخلو منهما -كذلك- زمان ولا مكان؟
الثاني: أننا لو قلنا بأن الزنا ليس كالقتل، لأنه يتم بالتراضي بين الفاعلين والقتل والجرح لا يكون إلا قسراً، ولو ذهبنا مذهب من يجيز إتيان هذا المنكر وفتحنا هذه البيوت، لكان من حق كل شاب أو كهل أن يدخلها إن شاء، لا سبيل إلى إباحتها لزيد منهم ومنعها على عمرو، وإذن يجب أن نجعل في كل بلدة من البغايا عدداً يكفي ما فيها من رجال. فإذا كان في القاهرة -مثلاً- مليونان ونصف مليون من الناس فإن منهم أربعمئة ألف رجل على الأقل، وليس يكفي هؤلاء إذا أرادوا دخول هذه البيوت أقل من أربعين ألف بغي، فما رأيكم في أن يكون في القاهرة مثلاً أربعون ألف بغي؟ ومن أين نأتي بها إلا أن نخزي أربعين ألف أسرة وأن نجلّلها بالعار، أو أن نستورد من كل أمة ساقطاتها ومومساتها،