الحمد للَّه الذى هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا اللَّه. . .
وبعد. .
فإن معالم الإسلام ومآثره الخالدة، كادت أن تنطمس فى أعين كثير من الناس، وتختلط عليهم وجوه الحق نتيجة لرواسب الجهالات التى كانت قد رانت على عقول أسلافهم، ولأنهم أصاخوا بآذانهم إلى حضارة الغرب، وافتتنوا بمدنيته الزاهرة، وأعجبوا بأنظمته وقوانينه السائدة، ونسو االتراث التشريعى الأصيل الذى خلده الإسلام، والذى مازالت حيويته تنطق بجدته وبتميزه وصلاحيته.
فقد فهم علماؤنا السابقون، وفقهاؤنا المتقدمون، ما فى شريعتهم من السعة والمرونة، والحيوية، فبذلوا كل ما يستطيعون فى التخريج والاستنباط، حتى أحاطوا بكثير من الفروع والجزئيات، وكادت هذه الفروع لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها.
وهذا ما يصور لنا الفكر التشريعى الإسلامى فكرًا موحد الهدف، متعدد النوع والموضوع، مختلف الأثر؛ لأنه قد استهدف مصلحة الأمة، أو مصلحة المجتمع، وذلك بمراعاته كل ما يحفظ عليه وحدته وتماسكه، ويحقق له أهدافه ويصون علاقات أفراده من الوهن والتفكك، ويوفر لهم الاستقرار والسلام، ويهيئ لهم بالأمن فرص العمل والرخاء، فما كان فيه المصلحة له فهو محل طلبه، وما كان فيه المضرة له فهو محل نهيه. وإن هذا أمر أجمع عليه فقهاء المسلمين وأثبته استقراء الأحكام، فلم يلاحظ فيه حكم ضار بالأمة، أو يزيد ضرره على نفعه، وما من حكم جاء به إلا كان نفعه أكبر من ضرره.