وقال آخر وحللنا موضع كذا فافترشنا من زهره أحسن بساط واستظللنا من شجره بأوفى رواق وطفقنا نتعاطى شموساً من أكف بدور وجسوم نار في غلائل نور إلى أن جرى ذهب الأصيل على لجين الماء ونشبت نار الشفق بفحمة الظلماء.

وقال الشريف على بن دفتر خوان:

ودوحة سكرت أغصانها بصبا ... فللهوى في معانيها إشارات

ماست فنقطها غيث بلؤلؤة ... ففوق أوراقها منه جمانات

فهن في العين هاءات مطمسة ... من اللجين وإن سالت فميمات

وقال علي بن ظافر في منزل قد انقطفت قدود أشجاره وأبسمت ثغوره وذاب كافور مائة على عنبر طيبه وامتدت بكاسات الجلنار أنامل غصونه والنسيم قد خفت واعتل وسقط رداؤه الخفاق في الماء فابتل ووعنت قوته حيى ضعف عن السير واشتد مرضه حتى ناحت عليه نوايح الطير (فخر الترك) أندم المجنوي:

الروض مقتبل الشبيه مؤنق ... خضل يكاد نضارة يتدفق

نثر الندى فيه لآلى عقده ... فالزهر منه متوج وممنطق

وارتاع من مر النسيم به ضحى ... فغدت كمائم نوره تتفتق

وسرى شعاع الشمس فيه فاتقي ... منها ومنه سنا شموس تشرق

فالغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يصبح بالنعيم ويعبق

والطير ينطق معرباً عن شجوه ... فيكاد يفهم عنه ذاك المنطق

غرداً يغني للغصون فينثني ... طرباً جيوب الطل منه تشقق

والنهر لما راح وهو مسلسل ... لا يستطيع الرقص ظل يصفق

فتمل أيام الربيع فإنها ... ريحانة الزمن الذي يستنشق

برهان الدين القيراطي في دمشق سمي سهمها على قوس الكواكب وأقبلت من كتائب زهورها في مواكب وتحرك عودها حين غنت عليه من الورق القيان وطفح يزيدها فقلت وهذا مما يعجب أبا سفيان، وقال سيدنا ومولانا أقضى القضاة بدر الدين محمد المخزومي المالكي الشهير بابن الدماميني أسبغ الله عليه ظلاله يصفها عند دخوله إليها في ثامن رمضان المعظم سنة ثمانمائة ونقلتها من خطة فتأملها المملوك فإذا هي جنة ذات ربوة وقرار معين وبلدة تبعث محاسنها الفكر على حسن الوصف وتعين وحسبك بالجامع الفارق بينها وبين سواها والأنهار التي إذا ذكر قتل المحل فما أجراها وإذا سمع حديث الخصب فما أرواها ما أقول إلا منتزهات مصر عارية من المحاسن وهذه ذات الكسوة ولا أن النيل احتراق إلا من الأسف حيث لم يسعده الدهر بالصعود إلى تلك الربوة ولا أظنه أحمر إلا خجلاً من صفاء أنهارها ولا ناله الكسر إلا لتأمله بالانقطاع عن الوصول إلى سقي أزهارها فلو رأى العاشق جبهتها لسلا بمصر معشوقه ونسي ظهور جواريه المتحببة بمقامات غصونها الممشوقة ولو تطاولت المجنونة إلى المفاخرة لتأخرت إلى خلفها متخبلة وأجمحت عن الأقدام حين تحركت لها بدمشق السلسلة وحق مصر أن لايجري حديث المفاخرة في وهمها وأن تتقي شر المنازعة قبل أن تصاب في هذه البلدة بسهمها فسقى الله منتزهاتها التي طرب المملوك برؤية حبكها وطالما اهتزت له المعاطف على السماع ورأى بها كل نهر ذاب عنه الجليد فانعقد على حلاوة شكره الإجماع تروع حالية العذارى فتلمس جانب العقد النظيم.

وقال البدر يوسف لؤلؤ الذهبي:

هلم يا صاح إلى روضة ... يجلو بها العاني صدا همه

نسيمها يعثر في ذيله ... وزهرها يضحك في كمه

وقال ابن عمار:

يا ليلة بتناها في ظل أكناف النعيم من ... فوق أكمام الرياض وتحت أذيال النسيم

وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي في تشبيه القمر من خلال الأغصان:

كأنما الأغصان لما انثنت ... أمام بدر التم في غيهبه

بنت مليك خلف شباكها ... تفرجت منه على موكبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015