وَأَخَذَ بِقَدْرِهِ فِي الْبَاطِنِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ هِنْدَ، وَتَقَدَّمَ وَلِحَدِيثِ: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ بِنَفَقَتِهِ» .

وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ هِنْدَ قَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ حَقَّهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، بِخِلَافِ الْمُدِينِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ الْمُدِينُ عَلَى اسْتِخْلَاصِ دَيْنِهِ بِالْحَاكِمِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ خِلَافٍ (إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذُ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ) فَيَأْخُذَهُ، وَتَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ فِي الْأَطْعِمَةِ (أَوْ مَنَعَ زَوْجٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَقَرِيبٍ أَوْ سَيِّدٍ) وَمُعْتَقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَمَوْلَاهُ (مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ) كَكِسْوَةٍ، فَلِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْأَخْذُ لِحَدِيثِ هِنْدَ (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ كَانَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا ذَهَبًا وَدَيْنُ الْآخَرِ فِضَّةً (فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا) دَيْنَ صَاحِبِهِ (فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ) دَيْنَ الْجَاحِدِ (لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " لَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَا، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسٍ تَقَاصَّا بِشَرْطِهِ.

[بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]

وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29] {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: 30] الْآيَةَ.

وَكَتَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَمُلُوكِ الْأَطْرَافِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ وَسُعَاتِهِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى قَبُولِهِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَالطَّلَبُ بِهِ بِغَيْرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015