أُصْبُعِ (عَمْرٍو يُقَادُ لِأُصْبُعِهِ) ؛ أَيْ: لِأُصْبُعِ عَمْرٍو لِسَبْقِهِ (ثُمَّ) يُقَادُ (لِيَدِ زَيْدٍ بِلَا أَرْشٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ بَيْنَ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ كَالنَّفْسِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفْسِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَنْقُصُ بِقَطْعِ الطَّرَفِ، فَقَطْعُهُ لَا يَمْنَعُ التَّكَافُؤَ بِدَلِيلِ أَخْذِ صَحِيحِ الْأَطْرَافِ بِمَقْطُوعِهَا، وَقَطْعُ الْأُصْبُعِ مِنْ الْيَدِ يَمْنَعُ التَّكَافُؤَ فِي الْيَدِ بِدَلِيلِ أَنَّا لَا نَأْخُذُ الْكَامِلَةَ بِالنَّاقِصَةِ، وَاخْتِلَافِ دِيَتِهِمَا.
(الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ) أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] وَالْقِصَاصُ كَانَ حَتْمًا عَلَى الْيَهُودِ، وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ الْعَفْوُ وَالدِّيَةُ، وَكَانَتْ الدِّيَةُ حَتْمًا عَلَى النَّصَارَى وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ، فَخُيِّرَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ وَالْعَفْوِ تَخْفِيفًا وَرَحْمَةً.
وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُرْفَعُ إلَيْهِ أَمْرٌ فِي الْقِصَاصِ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ، فَجَازَ تَرْكُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
وَالْعَفْوُ: الْمَحْوُ وَالتَّجَاوُزُ.
وَكَوْنُهُ (مَجَّانًا أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] .
وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ إلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَدِينًا جُنِيَ عَلَيْهِ خَطَأً فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَجْلِ وَفَاءِ دَيْنِهِ.
وَيَصِحُّ عَفْوُهُ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ وَكُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ.