قال الطوفي رحمه الله في شرح البيتين السابقين: "وقد تضمن البيتان المذكوران الإشارة إلى ثلاثة مذاهب.

أحدها: مذهب القائلين بأن صانع العالم يفعل بالطبع والإيجاب كإحراق النار، وتبريد الماء، وهبوط الحجر الثقيل في الهواء لا بالقدرة والاختيار: وشبهتهم على ذلك دقيقة تعسُّفية، ولا أصل لها.

وقد رد الله _ تعالى _ عليهم بقوله: {يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} الرعد: 4.

ورد عليهم الأصوليون بأن الفاعل بالطبع لا يتمادى زمنُ فعله، ولا يتخصص بعد وجود فاعله ببعض الأزمنة والأمكنة دون بعض.

وأفعال الله _ تعالى _ تتمادى، ويتأخر بعضها عن بعض، ويختص ببعض ظروف الزمان والمكان دون بعض.

وما ذاك إلا لصدوره عن قدرة واختيار، لا عن طبع وإيجاب.

وإلى هذا أشار الشيخ _ يعني ابن تيمية _ بقوله: وفي الكون تخصيص كثير ... البيت.

فإن وجود زيد _ مثلاً _ اليوم دون أمس وغدٍ، أو غداً دون أمس واليوم، أو أمس دون اليوم وغدٍ، وموتُه في مكة دون بغداد أو في مصر دون مكة _ دليلٌ على أن مُخصِّصاً ذا إرادة تامة خَصَّص هذه الأحداثَ ببعض هذه الظروف دون بعض، ولعل في قوله _ تعالى _: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] إشارة إلى هذا الدليل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015