وهذا ما سيتبين في الفقرة التالية.

ك: بين العقل والنقل: القاعدة العريضة العامة المشهورة تقول: "العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح".

والعقل الصريح: هو الخالي من الشبهات والشهوات، والنقل الصحيح: هو السالم من العلل والقوادح.

القاعدة الأخرى تقول: "إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل".

قال شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: "فلا يُتَصور أن يتعارض عقل صريح ونقل صحيح أبداً"1.

وقال: "إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل؛ لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع النقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل دل على صحة السمع، ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ".

فلو أبطلنا النقل لكنا أبطلنا دلالة العقل، ولو أبطلنا دلالة العقل لم يصح أن يكون معارضاً للنقل؛ لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء؛ فكان تقديم العقل موجباً عدم تقديمه؛ فلا يجوز تقديمه.

وهذا بيِّنٌ واضح؛ فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته، وأَنَّ خبره مطابق لمخبره؛ فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن دليلاً صحيحاً لم يجز أن يتبع بحال، فضلاً عن أن يقدم؛ فصار تقديم العقل على النقل قدحاً في العقل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015