قبولهم له، كقولهم: «نقله فلان عن فلان، وحكاه فلان عن فلان، أقره فلان» فالنقل ليس كالحكاية أو الإقرار.
وفي مجال البحث والنظر وإعمال الفكر يظهر انتقاؤهم للألفاظ المعبرة فقولهم: «تأمل، فتأمل، فليتأمل، فيه بحث، فيه نظر، فتدبر، حاصله، محصله، تحريره، تنقيحه. . .» بين هذه الكلمات فروق يسيرة، لا يعرفها إلا من كان له إلمام جيد باللغة وتمرّس في قراءة كتب المذهب.
وللمعنى الاحتمالي، للعبارة ألفاظهم الخاصة، كقولهم: «لا يبعد كذا، تنزل منزلته، أنيب منابه، أقيم مقامه، محتمل، محتمل. . .».
وإذا أرادوا الحكم على الفتوى ترجيحا أو تضعيفا اعتمدوا ألفاظا تبين درجة صحته أو ضعفه، وقد يتبرءون من الفتوى فلا ينسبونها إلى أحد؛ وهذا دليل على أمانة النقل التي تحلى بها الأوائل رضي الله عنهم، كقولهم:
«كذا قالوه، كذا قاله فلان على ما اقتضاه كلامهم. . .».
وإذا اعترضوا على رأي أو ردوه عبروا عن ذلك بصيغ تدل على الضعف والتمريض، كقولهم: «في قول، في نص، في رواية، قيل، حكي، فيه تعسف، فيه تساهل، فيرد، ولك رده، يمكن رده» وبين هذه الألفاظ تفاوت دقيق في المعنى من حيث درجة الرد والقبول.
والآن لقد سما بنا الشوق لمعرفة دلالات تلك الألفاظ حسب ما أراد فقهاء المذهب من أجل التعرف على الحكم الشرعي الصحيح، فإن من الأهمية بمكان أن نتعرف على ما اصطلح عليه أهل كل فن إذا أردنا قراءة كتبهم، إلا أن الأمر يتحتم إذا كان ذلك في مجال العلم الشرعي عامة، والفقه بشكل خاص.
وسأقف بإذن الله تعالى وقفات متأنية على معاني تلك الألفاظ؛ التي غالبا ما تذيّل بها العبارة، مسترشدة بكتب المذهب المعتمدة، التي تناولتها بالشرح والبيان، ككتاب المجموع والتحقيق للنووي، ومغني المحتاج للشربيني، والفوائد المكية للسقاف، والوسيط للغزالي، وغيرها من أمهات الكتب.
وأسأل الله التوفيق والسداد