في أمرها حتى اجتمعت معها في ليلة مظلمة شديدة السواد، في موضع خال، فحادثتها ساعةً. ثم دعتني نفسي إليها، فقلت: يا هذه! قد طال شوقي إليك، فقالت: وأنا كذلك، فقلت لها: وقد عسر اللقاء. قالت: نحن كذلك. قلت: هذا الليل قد ذهب، والصبح قد قرب. قالت: وهكذا تفنى الشهوات وتنقطع اللذات. قلت لها: لو أدنيتني منك؟ فقالت: هيهات هيهات إني أخاف العقوبة من الله تعالى. قلت لها: فما الذي دعاك إلى الحضور معي في هذا المكان؟ قالت: شقوتي وبلائي، قلت: فمتى أراك؟ قالت: ما أراني أنساك، وأما الاجتماع معك فما أراه يكون.
قال: ثم تولت من بين يدي، فاستحييت مما سمعت منها، فرجعت، وقد خرج من قلبي ما كنت أجد من حبها، ثم أنشات أقول:
تَوَقّتْ عَذاباً لا يُطاقُ انتَقامُهُ، ... وَلم تَأتِ ما تَخشَى بهِ أن تُعَذَّبَا
وَقالت مقالاً كِدتُ من شدّةِ الحيا ... أهِيمُ على وَجهي حَياً وَتَعَجّبَا
ألا أُفِّ للحُبّ الذي يُورِثُ العَمى ... وَيُورِدُ ناراً لا تَمَلّ التّوَثّبَا
فأقبَلُ عَوْدي فَوْقَ بَدءٍ مُفكّراً، ... وَقد زَالَ عن قَلبي العَمى فتسرّبَا
قال: فلم أر امرأةً كانت أصوَن منها لدينها ولا أعقل.
أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف
أنشدني صالح بن يعقوب المديني، وأخبرني أن أباه أخبره بهذا الشعر، وذكر أنه أنشده لامرأة من أهل الأبلة كانت متقشفة، وكان لها حبر من رجل من النساك من أهل الأبلّة، ولم يحفظ الخبر كله صالح، إلا أنه أخبرني بهذا