أخبرنا أحمد بن علي الوراق بدمشق، حدثنا الحسين بن محمد أخو الخلال، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الشطي بجرجان، حدثنا أبو علي أحمد بن الحسين بن شعبة، حدثنا أحمد بن جعفر الهاشمي، حدثنا محمد بن عبد الله الكاتب قال: كنت يوماً عند محمد بن يزيد المبرد، فأنشد:
جِسمي معي غَيرَ أنّ الرّوحَ عندَكمُ، ... فالجسمُ في غُرْبَةٍ وَالرّوحُ في وَطَنِ
فَليَعجَبِ النّاسُ منّي أنّ لي بَدَناً ... لا رُوحَ فيهِ، وَلي رُوحٌ بلا بَدَنِ
ثم قال: ما أظن الشعراء قالت أحسن من هذا. قلت: ولا قول الآخر؟ قال: هيه! قلت: الذي يقول:
فارَقتُكمُ وَحَيِيتُ بَعدَكُمُ، ... ما هكذا كانَ الذي يَجِبُ
فالآنَ ألقَى النّاسَ مُعتَذِراً، ... من أنْ أعِيشَ وأنتمُ غَيَبُ
قال: ولا هذا. قلت: ولا خالد الكاتب:
رُوحانِ لي، رُوحٌ تَضَمَنّهَا ... بَلَدٌ، وَأُخرَى حَازَها بَلَدُ
وَأظُنّ غَائِبَتي كَشَاهِدَتي ... بمَكانِها تَجِدُ الذي أجِدُ
قال: ولا هذا. قلت: أنت إذا هويت الشيء ملت إليه، ولم تعدل إلى غيره. قال: لا! ولكنه الحق، فأتيت ثعلباً، فأخبرته، فقال ثعلب ألا أنشدته:
غابُوا، فَصَارَ الجِسْمُ من بَعدِهم، ... مَا تَنظُرُ العَينُ لَهُ فَيّا
بِأيّ وَجهٍ أتَلَقّاهُمُ، ... إذا رَأوْني بَعدَهُمْ حَيّا
يا خجلَتي مِنهُ، وَمِنْ قَوْلِهِ: ... مَا ضرّكَ الفَقدُ لَنَا شَيّا