فإني واثق بها.
فلم يكن بأسرع من أن جاء الفتى الذي اشتراها راكباً ومعه عدة ركبان، فنزلوا في الزلال، وانحدرنا، فلما صرنا بكلواذى، أخرج الطعام، فأكل هو. وصعدت فجلست معه، فدبرت أمره وضبطت دخله، وخرجه، وكان غلمانه يسرقونه، فأديت إليه الأمانة.
فلما كان بعد شهر رأى الرجل دخله زائداً، وخرجه ناقصاً، فحمدني، وكنت معه إلى أن حال الحول، وقد بان له الصلاح في أمره فدعاني إلى أن أتزوج بابنته ويشاركني في الدكان، ففعلت، ودخلت بزوجتي، ولزمت الدكان والحال تقوى إلا أني في خلال ذلك منكسر النفس، ميت النشاط، ظاهر الحزن، وكان البقال ربما شرب فيجذبني إلى مساعدته، فأمتنع وأظهر أن سبب ذلك حزن على موتى لي.
واستمرت بي الحال على هذا سنين كثيرة، فلما أن كان ذات يوم، رأيت قوماً يجتازون بجون ونبيذ اجتيازاً متصلاً، فسألت عن ذلك، فقيل لي: اليوم يوم الشعانين ويخرج أهل الظرف واللعب بالنبيذ والطعام والقيان إلى الأبلّة فيرون النصارى، ويشربون ويتفرجون. فدعتني نفسي إلى التفرج، وقلت: لعلي أن أقف لأصحابي على خبر، فإن هذا من مظانهم، فقلت لحميي: أريد أن أنظر هذا المنظر، فقال: شأنك.
وأصلح لي طعاماً وشراباً، وسلم إلي غلاماً وسفينةً، فخرجت وأكلت في السفينة، وبدأت أشرب حتى وصلت إلى الأبلة، وأبصرت الناس، وابتدأوا ينصرفون، وانصرفت، فإذا أنا بالزلال بعينه في أوساط الناس سائراً في نهر الأبلّة، فتأملته، فإذا بأصحابي على سطحه، ومعهم عدة مغنيات، فحين رأيتهم لم أتمالك فرحاً، فصرت إليهم، فحين رأوني عرفوني وكبروا،