نزل العرصة، لا حياه الله، فقال عبد الله: مه! أنزلوا الرجل وأكرموه.
فلما استقر بعث إلى عبد الله: جعلت فداءك! إن رأيت أن تأذن لي أذنةً خفيفةً لأشافهك بشيء فعلت. فأذن له، فلما دخل سلم عليه، وقبل يده، فقربه عبد الله، ثم اقتص عليه القصة، حتى إذا فرغ قال: قد والله وهبتها لك قبل أن أراها، وأضع يدي عليها، فهي لك، ومردودة عليك. وقد علم الله تعالى أني ما رأيت لها وجهاً إلا عندك. فبعث إليها، فجاءت وجاء بما جهزها به موفراً، فلما نظرت إلى عبد الله خرت مغشياً عليها، وأهوى إليها عبد الله فضمها إليه.
وخرج العراقي وتصايح أهل الدار: عمارة عمارة، فجعل عبد الله يقول، ودموعه تجري: أحلم هذا، أحق هذا؟ ما أصدق بهذا. فقال له العراقي: جعلت فداءك! قد ردها عليك إيثارك الوفاء وصبرك على الحق وانقيادك له. فقال عبد الله: الحمد لله، اللهم إنك تعلم أني تصبرت عنها، وآثرت الوفاء، وأسلمت لأمرك، فرددتها علي بمنك، فلك الحمد! ثم قال: يا أخا العراق ما في الأرض أعظم منةًَ منك، وسيجازيك الله تعالى.
وأقام العراقي أياماً، وباع عبد الله غنماً له بثلاثة عشر ألف دينار، وقال لقهرمانه: احملها إليه، وقل له: اعذر، واعلم أني لو وصلتك بكل ما أملك لرأيتك أهلاً لأكثر منه، فرحل العراقي محموداً وافر العرض والمال.