وجدت بخط في مجموع عتيق يقول: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يزيد الوراق، حدثني عمي قال: سافرت في طلب العلم والحديث، فلم أدع بخراسان بلداً إلا دخلته، فلما أن دخلنا سمرقند، رأيت بلداً حسناً أعجبني، وتمنيت أن يكون مقامي فيه بقية عمري، وأقمنا فيه أياماً، وعاشرت من أهله جماعة، فحدثني بعضهم قال: ورد إلينا فتىً من أهل بغداد حسن الوجه، ولم يزل مقيماً عندنا دهراً، وكان أديباً، ثم إنه أثرى وحسنت حاله، فارتحل مع الحاج إلى العراق، وكان هوي فتىً من أولاد الفقهاء وله معه مواقف وأقاصيص، وله فيه أيضاً أشعار كثيرة، يحفظها أهل البلد، فخرج يوماً معه إلى البستان للنزهة، وأقاما يومهما، فخرجت في غد ذلك اليوم، واجتزت بالبستان، فدخلته، فإني لأطوفه إذ قرأت على حائط مجلس مكتوباً فيه:
لمْ يَخِبْ سَعيي وَلا سَفَرِي، ... حِينَ نِلْتُ الحَظّ مِنْ وَطَرِي
في قَضِيبِ البَانِ في مَيَلٍ، ... وَشَبِيهِ الشّمسِ وَالقَمَرِ
لَستُ أنسَى يَوْمَنَا أبَداً، ... بِفَنا البُسْتَانِ وَالنَّهَرِ
في رِياضٍ وَسْطَ دَسْكَرَةٍ، ... وبِسَاطٍ حُفّ بالشّجَرِ
وأبو نَصرٍ يُعَانِقُني، ... طَافِحاً سُكْراً إلى السَّحَرِ
غيرَ أنّ الدّهرَ فَرّقَنَا، ... وكذا مِنْ عادة القَدَرِ
وتحته مكتوب: الغريب يبسط العذر بالقول والفعل لاطراحه المراقبة وأمنه في هفواته من المعاتبة.