فلما رأوا ذلك منه اجتمعوا على أن يوكلوا به امرأةً، فتسقيه الخمر حتى يبلغ منه دون السكر، فإن ذلك يدعوه إلى الكلام والبوح بما في نفسه، فعزم رأيهم على ذلك وأعلموا عمه ما اتفقوا عليه، فبعث إليه بقينة يقال لها حمامة، ووكل به حاضنةً كانت له، فلما أن شرب الفتى غنت الجارية قدامه، فأنشأ يقول:
دَعوني لما بي وَانهَضوا في كَلاءةٍ ... من اللهِ، قد أيقَنتُ أن لَستُ باقِيَا
وَأن قد دَنا مَوتي وحانَت منيّتي، ... وَقد جَلَبت عَيني عليّ الدوَاهِيا
أمُوتُ بشَوْقٍ في فُؤادي مُبرِّحٍ ... فَيَا وَيْحَ نَفسِي مَن به مثلُ ما بيَا
قال: فصارت الحاضنة والقينة إلى عمه، فأخبرتاه الخبر، فاشتدت له رحمته، فتلطف في دس جارية من جواريه إليه، وكانت ذات أدب وعقل، فلم تزل تستخرج ما في قلبه حتى باح لها بالذي في نفسه، فصارت السفيرة فيما بينه وبين الجارية، وكثرت بينهما الكتب، وعلمت أخته بذلك فانتشر الخبر، فوهبتها له فبرأ من علته، وأقام على أحسن حال.
قال ابن السراج: لي من جملة قصيدة كتبت بها إلى القاضي أبي مسلم ابن أخي أبي العلاء المعري أولها:
إنّ غَرَامي، يَا أبَا مُسْلِمِ، ... إلى غَرِيمي، في الهَوَى مُسلِمي
فَلا تَسَلْ يَوْمَ النَّوَى عن دَمٍ ... سَالَ مِنَ الأجفانِ كالعَندَمِ