وجدت بخط أحمد بن محمد بن علي الأبنوسي، ونقلته من أصله، حدثنا أبو علي محمد بن عبد الله بن المغيرة الجوهري، حدثنا أحمد بن محمد بن أسد الأزدي، حدثنا الساجي عن الأصمعي قال: رأيت بالبادية رجلاً قد دق عظمه، وضؤل جسمه، ورق جلده، فتعجبت فدنوت منه أسأله عن حاله، فلم يرد جواباً، فسألت جماعةً حوله عن حاله، فقالوا: اذكر له شيئاً من الشعر يكلمك، فقلت:
سَبَقَ القَضَاءُ بأننّي لكّ عَاشِقٌ، ... حتى المّماتِ، فأينَ منكَ مَذاهبي؟
فشهق شهقة ظننت أن روحه قد فارقته، ثم أنشأ يقول:
أخلُو بذِكْرِكّ لا أُرِيدُ محَدّثاً، ... وكَفَى بذلِكَ نِعمةً وَسُرورا
أبكي فيُطرِبُني البُكاءُ، وَتارةً ... يأبى، فيأتي مَنْ أُحِبُّ أسِيرا
فَإذا أنَا سَمْحٌ بِفُرْقَةِ بينِنا، ... أُعقِبتُ مِنهُ حَسرَةً وزَفِيرَا
قال، فقلت: أخبرني عن حالك؟ قال: إن كنت تريد علم ذلك، فاحملني وألقني على باب تلك الخيمة! ففعلت، فأنشأ يقول بصوت ضعيف يرفعه جهده:
ألا مَا للمَليحةِ لا تَعُودُ، ... أبُخلٌ ذاكَ منها أمْ صُدُودُ؟
فلَوْ كنتِ المَرِيضةَ جئتُ أسعى ... إلَيكِ، وَلم يُنَهنِهْني الوَعيدُ
فإذا جارية مثل القمر قد خرجت، فألقت نفسها عليه، فاعتنقا، وطال ذلك فسترتهما بثوبي خشية أن يراهما الناس. فلما خفت عليهما الفضيحة. فرقت بينهما، فإذا هما ميتان، فما برحت حتى صليت عليهما، ودفنا، فسألت عنهما فقيل لي: عامر بن غالب وجميلة بنت أميل المزنيان، فانصرفت.