قال محمد بن المرزبان، ونقلته من خط ابن حيويه عنه، قال: أخبرني بعض أصحاب المدايني اخبرنا المدايني، أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال: كان بالمدينة رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف، وكان شاعراً، وكانت عنده ابنة عم له، وكان لها عاشقاً، وبها مستهتراً، فضاق ضيقةً شديدة، وأراد المسير إلى هشام إلى الرصافة، فمنعه من ذلك ما كان يجد بها وكره فراقها، فقالت له يوماً، وقد بلغ منها الضيق: يا ابن عمي! ألا تأتي الخليفة لعل الله تعالى أن يقسم لك منه رزقاً، فنكشف به بعض ما نحن فيه. فلما سمع ذلك منها نشط للخروج، فتجهز، ومضى، حتى إذا كان من الرصافة على أميال خطر ذكرها بقلبه، وتمثلت له، فلبث ساعة شبيهاً بالمغمى عليه، ثم أفاق، فقال للجمال: احبس، فحبس إبله، فأنشأ يقول:
بَينَما نحنُ في بلاكثَ فالقَا ... عِ سرَاعاً، وَالعِيسُ تَهْوِي هُوِيّا.
خَطَرَتْ خطرَةٌ على القَلْبِ مِنْ ذِكْ ... رَاكِ، وَهناً، فَما أطقتُ مُضِيّا.
قُلْتُ: لَبَيّكِ، إذْ دَعَاني لكِ الشّوْ ... قُ، وَللحَادِيَينِ رُدّا المَطِيّا.
فكَرَرْنَا صُدُورَ عِيسٍ عِتَاقٍ، ... مُضْمَرَات، طُوِينَ بالسّيرِ طَيّا.
ذَاكَ مِمّا لَقِينَ من دَلَجِ السّي ... رِ، وَقَوْلِ الحُدَاةِ، باللّيلِ، هَيّا.
ثم قال للجمال: ارجع بنا! فقال له: سبحان الله، قد بلغت طيتك! هذه أبيات الرصافة. فقال: والله لا تخطو غلا راجعة، فرجع، حتى إذا كان من المدينة على قدر ميل لقيه بعض بني عمه، فأخبره أن امرأته قد توفيت، فشهق شهقةً، وسقط عن ظهر البعير ميتاً.