ما وجدت للبلاء ألماً، فأوحى الله، عز وجل، إليه: يا أيوب! إنك لتنظر إلي غداً. قال: يا رب بهاتين العينين؟ قال: يا أيوب أجعل لك عينين يقال لهما البقاء، فتنظر إلى البقاء بالبقاء.
أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي، حدثنا علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني بمكة، حدثنا محمد بن عبد الله الشكلي، حدثني محمد بن القنطري قال: قال ذو النون: بينا أنا أسير على ساحل البحر، إذ بصرت بجارية عليها أطمار شعرٍ، وإذا هي ناحلة ذابلة، فدنوت منها لأسمع ما تقول، فرأيتها متصلة الأحزان بالأشجان، وعصفت الرياح واضطربت الأمواج، وظهرت الحيتان، فصرخت، ثم سقطت إلى الأرض، فلما أفاقت نحبت، ثم قالت: سيدي! بك تقرب المتقربون في الخلوات، ولعظمتك سبحت النينان في البحار الزاخرات، ولجلال قدسك تضافقت الامواج المتلاطمات. أنت الذي سجد لك سواد الليل وبياض النهار والفلك الدوار والبحر الزخار والقمر النوار والنجم الزهار وكل شيء عندك بمقدار، لأنك الله العلي القهار:
يَا مُؤنِسَ الأبْرَارِ في خَلَوَاتِهِمْ، ... يَا خَيرَ مَنْ حَطّتْ بهِ النُّزّالُ.
مَنْ ذاقَ حُبَّكَ لا يَزَالُ مُتَيَّماً، ... قَرِحَ الفُؤادِ يَعُودُهُ بَلْبَالُ.
مَن ذاقَ حبّكَ لا يُرَى مُتَبسّماً، ... في طُولِ حُزْنٍ للحَشَا يَغتَالُ.
فقلت لها: من تريدين؟ فقالت: إليك عني، ثم رفعت طرفها نحو السماء