زلزل بلغني أن ورثته يعرضون الجارية، فصرت إليهم فأخرجوها، فإذا جارية كاد الغزال أن يكونها لولا ما تم منها ونقص منه، قال: قلت لها: غني صوتاً! فجيء بالعود فوضع في حجرها، فاندفعت تغني وتقول، وعيناها تذرفان:
أقفَرَ من أوْتارِه العُودُ ... فالعُودُ للإقفارِ معمودُ.
وَأوْحشَ المِزْمارُ من صَوْته ... فمَا لَه بعدَكَ تَغريدُ.
مَن للمزاميرِ وَسُمّاعِهَا ... وعامِرُ اللّذاتِ مَفقُودُ.
والخَمرُ تبكي في أبارِيقِهَا ... والقَينةُ الخَمصانَةُ الرُّودُ.
ثم شهقت شهقة ظننت أن نفسها قد خرجت، فركبت من ساعتي، فدخلت على أمير المؤمنين فأخبرته بخبر الجارية، وما سمعت منها، فأمر بإحضارها، فلما دخلت عليه قال لها: عني الصوت الذي غنيت به إبراهيم! فغنت وجعلت تريد البكى فيمنعها إجلال أمير المؤمنين، فرحمها وأعجب بها، فقال: أتحبين أن أشتريك؟ فقالت: يا سيدي أما إذ خيرتني فقد وجب نصحك علي، والله لا يشتريني أحد بعد زلزلٍ فينتفع بي. فقال: يا إبراهيم! أتعلم بالعراق جاريةً جمعت ما جمعت هذه؟ إن وجدت فاشترها بشطر ما لي! فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين ولا على وجه الأرض فأمر بشرائها وأعتقها وأجرى عليها رزقاً.