فقد قال الأول:
صَبَرْتُ عَلى اللّذّاتِ، لمّا تَوَلّتِ، ... وَألزَمتُ نَفسِي صَبرَها، فاستَمَرّتِ.
وَما النفسُ إلاّ حيثُ يجعَلُها الفتى، فإنْ أُطمِعَتْ تاقَتْ، وَإلاّ تَسَلّتِ.
فأقبلت علي فقالت: قد والله رمت ذلك، فكنت كما قال قيس بن الملوح:
وَلمّا أبى إلاّ جمَاحاً فُؤادُهُ، ... وَلم يَسْلُ عن لَيلى بمالٍ وَلا أهلِ.
تَسَلّى بأُخْرَى غَيرِها، فإذا التي ... تَسَلّى بها تُغرِي بلَيلى وَلا تُسْلي.
قال: فأسكتتني والله بتواتر حججها عن محاورتها، وما رايت كمنطقها ولا كشكلها وأدبها وكمال خلقها.
العفة الناجعة
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني الحسين بن عبد الرحمن قال: حدثني محرز أبو القاسم الجلاب قال: حدثني سعدان قال: أمر قوم امرأة ذات جمال بارع، أن تتعرض للربيع بن خيثم، فلعلها تفتنه، قال: وجعلوا لها، إن هي فعلت، ألف درهم، فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها في تلك الحال، فراعه أمرها وجمالها، ثم أقبلت عليه، وهي سافرة، فقل لها الربيع: كيف بك لو نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من نورك وبهجتك؟ أم كيف بك لو نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير؟ فصرخت صرخةً، وخرجت مغشياً عليها، قال: فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادتها أنها يوم ماتت كانت كأنها جذع محترق.