قال منصور: فلما كان بعد حولين كاملين حججت إلى بيت الله الحرام، فبينا أنا في الطواف إذ سمعت صوت محزون مكروب مغموم، وهو يقول: إلهي وسيدي! نحل جسمي ودق عظمي ورق جلدي وخرجت من مالي رجاء أن تريني وجهك الكريم الجميل، وتجمع بيني وبين نشوان في الجنان.
قال منصور: فدنوت منه فقلت: يا غلام ما أقل حياءك! بأي حق تطلب من ربك نشوان الجنان؟ فنظر إلى وبكى وقال لي: رفقاً يا طبيب! رفقاً هكذا تضرب بسوطك جسماً عليلاً، ثم لا تعرفه؟ أنا والله ملك البصرة وابن سيدها.
قال منصور: فوالله ما عرفته إلا بخال كان في وجهه، وقد نحل وذاب جسمه، فقلت له: حبيبي ما فعلت نشوانك؟ فبكى وقال: يا ابن عمار، والله لو رأيتها ما عرفتها، قد ذهب البكى ببصرها، ومحت الدموع محاسن وجهها.
فقلت له: حبيبي! ما كان أحوجني إلى رؤيتها، فاخذ بيدي، فأوقفني إلى باب خيمة من الشعر، فقلت: أحبتي! بعد القصور صرتم إلى خيام الشعر، لقد أبلغتم في العبادة.
فخرجت نشوان من داخل الخيمة فقالت: بالله! أنت منصور بن عمار؟ فقلت لها: نعم! فقالت لي: يا منصور أترى ربي يسكنني الجنان ويريني نشوان الجنان؟ فقلت لها: جدي في الطلب، وأحسني المعاملة، تخدمك الولدان، وتسكنني الجان، وتري نشوان الجنان، وتزوري الله، عز وجل، الملك الديان.
قال منصور بن عمار: فشهقت شهقةً خرت منها ميتةً بإذن الله، قال: فبكى الغلام وقال: بأبي والله من كانت مساعدتي على الشدة والرخاء!