أحسن أم الغلام، فخشيت أن تغشاني، ففتحت الأبواب، فخرج الغلمان فتلببوني وقالوا: ويحك! ما كان لك قصد غير هذا الطريق إلى غيره حتى نظرت إلى حرمة الملك.
فقلت: لمن يكون هذا القصر؟ فقالوا: لملك البصرة، وابن سيدها.
فدخلت إليبه فنظر إلي وأجال حماليق عينيه، كأنهما عينا ظبي تتفرس إلي، فقال لي " لقد اجترأت علي إذ نظرت غلى حرمتي.
فقلت: أيها الملك! جد بعفوك على ضعفي، وبحلمك على جهلي، فإني رجل طبيب، ولا يرى في كتب الحكماء قتل الطبيب، وإني لأرى في جسمك هذا مدخلاً قد التوت عليه الضلوع والأعضاء، وهو رقيق في الضمير، ما بين الأحشاء. يا غلام قد حزقت في الفنك والسمور، هل لك صبر على مقطعات التيران، وسرابيل القطران، وصوت مالك وعرض الرحمن؟ أما سمعت أنه ينادى بالنار يوم القيامة بأربعة أصوات: يا نار كلي ولا تقتلي، يا نار أحرقي، يا نار أنضجي، يا نار اشتفي، فإذا سمعت النار يا نار كلي، أكلت بوهج اللهب من بين أطباقها، فويل للطبقة السفلى من الطبقة العليا كيف يتراكب عليهم الدخان من بعد مهاويها، وقد شدوا في سلاسلها وقرنوا مع شياطينها، وأرسلت عليهم حياتها وعقاربها.
فصرخ الغلام صرخةً، ثم قال: يا طبيب قتلتني، وبأسهم المنايا رشقتني، فما أخطأت صميم كبدي، ويحك يا طبيب، ما أحر مكاويك،