حدثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن علي العلاف الواعظ من حفظه قال: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن سمعون الواعظ شيخنا يقول: سمعت أبا عبد الله الغلفي، أو قال لي أبو عبد الله الغلفي بطرسوس صاحب أبي العباس بن عطاء يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول: قرأت القرآن، فما رأيت الله، عز وجل، ذكر عبداً فأثنى عليه في ما تبتليني، فما مضت الأيام والليالي حتى خرج من داري نيف وعشرون ما رجع منهم أحد، وذهب ماله، وذهب عقله، وذهب ولده وأهله.
قال أبو عبد الله الغلفي: فمكث بحكم الغلبة سبع سنين أو نحوها، فما رأيت أحداً صحا بعد غلبة فنطق بالحكمة أحسن من أبي العباس بن عطاء، فكان أول شيء قال بعد صحوه من غلبته:
حَقّاً أقولُ لقد كَلّفتني شَطَطَاً ... حملي هَوَاك وصَبري ذانِ تعجِيبُ.
جمَعتَ شيئينِ في قَلبٍ له خَطَرٌ، ... نَوْعَينِ ضِدّينِ: تَبِريدٌ وتَلْهِيبُ.
نارٌ تُقَلقِلُني، والشوْقُ يُضرِمُهَا، ... فكَيفَ قَد جُمِعا، والعقلُ مسلوبُ.
لا كنتُ إن كنتُ أدري كيفَ يُسلمني ... صَبري إلَيكَ كما قد ضُرّ أيّوبُ.
لما تَطاوَلَ بَلوَاه اقشَعَرَّ لها، ... فصَاحَ، من حَملِها، غَرْثانُ مَكرُوبُ:
قد مَسّني الضَّرّ والشيطانُ ينصُبُ بي، ... وأنتَ ذو رحْمَةٍ، والعَبْدُ مَنكوبُ.
قال لنا شيخنا أبو طاهر بن العلاف: قال لنا أبو الحسين بن سمعون، رحمه الله: أظن كان بقي عليه من الغلبة شيء فقال: لقد كلفني شططاً، وأنا أقول: لقد حملتني عجباً.