ويوصيه بما يريد، فلما رآه عمه ونظر إلى ما به سبقته العبرة إشفاقاً عليه، فقال له إياس: كف، جعلت فداك يا عم، فق أفرحت قلبي. فكف عن بعض بكائه، فشكا إليه إياس ما يجد من العلة. فقال له: عز، والله، علي يا ابن أخي، ولن أدع حيلةً في طلب الشفاء لك. فانصرف إلى منزله، وأرسل إلى مولاةٍ له كانت ذات عقل فأوصاها به، وبالتعاهد له، والقيام عليه.
فلما دخلت المولاة عليه فتأملته علمت أن الذي به عشق، فقعدت عند رأسه، فأجرت ذكر صفوة لتستيقن ما عنده، فلما سمع ذكرها زفر زفرةً، فاقلت المرأة: والله ما زفر إلا من هوىً داخله ولا أظنه إلا عاشقاً. فأقبلت عليه كالممازحة له فقالت له: حتى متى تبلي جسمك، فوالله ما أظن الذي بك إلا هوى. فقال لها إياس: يا أمه، لقد ظننت بي ظن سوء، فكفي عن مزاحك. فقالت: إنك والله لن تبديه إلى أحد هو أكتم له من قلبي. فلم تزل تعطيه المواثيق وتقسم عليه إلى أن قالت له: بحق صفوةّ فقال لها: لقد أقسمت علي بحق عظيم لو سألتني به روحي لدفعتها إليك، ثم قال: والله يا أمه ما أعظم دائي إلا بالاسم الذي أقسمت علي بحقه، فالله الله في كتمانه وطلب وجه الحيلة فيه.
فقالت: أما إذ أطلعتني عليه، فسأبلغ فيه رضاك، إن شاء الله، فسر بذلك، وأرسل معها بالسلام إلى صفوة. فلما دخلت عليها ابتدأتها صفوة بالمسألة عن الذي بلغها من مرضه وشدة حاله، فاستبشرت المولاة بذلك، ثم قالت: يا صفوة ما حالة من يبيت الليل ساهراً محزوناً يرعى النجوم ويتمنى الموت؟ فقالت صفوة: ما أظن هذا على ما ذكرت بباقٍ، وما أسرع منه الفراق.
ثم أقبلت عى المولاة فقالت: إني أريد أن أسألك عن شيء فبحقي عليك لما أوضحته. فقالت: وحقك إن عرفته لا كتمتك منه شيئاً.