ذلك، وإن علم أهل الماء لم آمنهم على نفسي، ولكن سأصير إليه في الليل. فلما كان الليل صارت إليه، وهو مطرق يهذي، فقالت له: يا قيس! إن أمك تزعم أنك جننت على رأسي، وأصابك ما أصابك؟ قال: فرفع رأسه فنظر إليها وتنفس الصعداء، وأنشأ يقول:
قالَتْ جُنِنتَ على رأسي، فقلتُ لها: ... الحُبّ أعظَمُ ممّا بِالمَجَانينِ.
الحُبُّ لَيسَ يُفِيقُ الدّهرَ صاحِبُهُ، ... وإنّما يُصْرَعُ المَجْنُونُ في الحِينِ.
أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد قال: أخبرنا عبد الأول بن مربد قال: أخبرني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: خرج كثير يريد عبد العزيز بن مروان فأكرمه، ورفع منزلته، وأحسن جائزته، وقال: سلني ما شئت من الحوائج! قال: نعم، أحب أن تنظر لي من يعرف قبر عزة، فيوقفني عليه. فقال رجل من القوم: إني لعارف به. فوثب كثير فقال لعبد العزيز: هي حاجتي أصلحك الله. فانطلق به الرحيل حتى انتهى به إلى موضع قبرها فوضع يده عليه، ودمعه يجري، وهو يقول:
وَقَفْتُ عَلى رَبْعٍ لِعَزّةَ نَاقَتي، ... وفي البُرْدِ رَشّاشٌ من الدّمعِ يسفحُ.
فَيَا عَزَّ أنْتِ البَدرُ قَد حالَ دونَهُ ... رَجيعُ التّرَابِ والصّفِيحُ المضرَّحُ.
وقَد كنتُ أبكي مِن فِراقِكِ حِقبَةً ... فأنْتِ لَعَمْري اليوْمَ أنأى وأنزَحُ.