الْبَشَرِ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِهَا، وَكَانَتْ لَا تُمْسِكُ شَيْئًا مِمَّا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إِلا تَصَدَّقَتْ. فَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: أيؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ؟! عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ. فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَبِأَخْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً، فَامْتَنَعَتْ، فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّونَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: إِذَا اسْتَأذَنَّا، فَاقْتَحِم الْحِجَابَ. فَفَعَلَ، فَأرْسَلَ إلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ، فَأَعْتَقتْهُمْ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ. فَقَالَتْ: وَدِدْتُ أَني جَعَلْتُ حِينَ حَلَفْتُ عَمَلًا أَعمَلُهُ فَأَفْرُغَ مِنْهُ.
(وددتُ أني جعلت حين حلفت عملًا أعملُه فأفرغ منه): الظاهر أن "أفرغ": مرفوع بالعطف على الفعل المرفوع قبله، كذا رأيته في بعض النسخ.
وقال الزركشي: هو بالنَّصب، وله وجه.
ومراد عائشة -رضي الله عنها-: [أن النذرَ المبهَمَ يحتمل إطلاقُه على أكثرَ ممَّا (?) فعلَتْ، فلو كان شيئًا معلومًا، تحققَّت البراءة منه بعمله (?).
قلت: وهذا منها -رضي الله عنها] (?) - مبالغةٌ في كمال (?) الاحتياط والاجتهاد في براءة الذمة على جهة اليقين، وإلا، فالنذرُ المبهم يكفي في التخلُّص من عهدته إعتاقُ رقبة واحدة مثلًا.