26 -: 172 وَبِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ أَنَسٍ أَبُو الْخَيْرِ، قثنا أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْكَعْبِيُّ الرَّبَعِيُّ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي عَمِّي أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ.

ح وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ تَمِيمٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِقُدَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ هِشَامٍ، عَنْ جَدِّهِ حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ خَرَجَ مِنْهَا مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَوْلًى لأَبِي بَكْرٍ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمَا اللَّيْثِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ، مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتْ بَرْزَةً جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا تَمْرًا وَلَحْمًا يَشْتَرُونَهُ مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ «مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟» ، قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، قَالَ: هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلِبَهَا» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلِبْهَا، فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ، وَدَرَّتْ، وَاجْتَرَّتْ، وَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ، فَحَلَبَ ثَجًّا حَتَّى عَلاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ، ثُمَّ سَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرَهُمْ، ثُمَّ حَلَبَ ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلأَ الإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ، عِنْدَهَا وَبَايَعَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَّمَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا، تَسَاوَكْنَ هُزْلا، مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، وَالشَّاءُ عَازِبٌ حِيَالٌ، وَلا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟ فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ إِلا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ، مِنْ حَالِهِ، كَذَا وَكَذَا.

قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ.

قَالَتْ: رَجُلٌ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلاهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ، فَصْلٌ، لا نَزْرٌ، وَلا هَذْرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ لا يَائِسَ مِنْ طُولٍ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لا عَابِسٌ وَلا مُفَنِّدٌ.

قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: فَهَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ بِمَكَّةَ.

وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلا، وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالٍ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ وَهُوَ يَقُولُ:

جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتِي أُمِّ مَعْبَدِ

هُمَا نَزَلا بِالْهُدَى وَاهْتَدَى بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ

فَيَا لِقُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فِعَالٍ لا تُجَارَى وَسُؤْدَدِ

لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ

سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمْ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ

دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... عَلَيْهِ صَرِيحًا ضَرَّةُ الشَّاةِ مَزْبَدِ

فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدْيَها لِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ

فَلَمَّا سَمِعَ حَسَّانٌ الأَنْصَارِيُّ شَبَّبَ يُجَاوِبُ الْهَاتِفَ فَقَالَ:

لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ ... وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِ وَيَفْتَدِي

تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ ... وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ

هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلالَةِ رَبُّهُمْ ... وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يُرْشَدِ

وَهَلْ يَسْتَوِي ضَلالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا ... عَمَايَتُهُمْ هَادٍ بِهِ كُلُّ مُهْتَدٍ

وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ ... رِكَابُ هُدًى حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ

نَبِيٌّ يَرَى مَا لا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَسْجِدِ

وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ

لِيَهْنَ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدِ اللَّهُ يَسْعَدِ

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ مِنْ رِوَايَةِ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، رَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا مُحْرِزُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْكَعْبِيُّ، وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ

قوله: مرملين: أي قد نفد زادهم.

مسنتين: أي قد دخلوا فِي الشتاء وكسر الخيمة: جانبها.

وتفاجت: فتحت مَا بين رجليها.

ويربض الرهط.

أي يرويهم حتى تثقلوا فيربضوا.

والثج: السيلان.

والبهاء: بهاء اللبن، وَهُوَ وميض رغوته.

وتساوكن هزالا: تمايلن، ويروى: تشاركن، من المشاركة، يعني أنهن تساوين فِي الهزال.

وغادره: أبقاه.

والشاء عازب: أي بعيد المرمى.

والأبلج: المشرق الوجه المضيئه.

والحيال: جمع حائل، وهي التي لم تحمل.

والوضاءة: الْحَسَن.

والثجلة: عظم البطن، ويروى ثجلة: وَهُوَ الضم والدقة.

والصقلة: صغر الرأس.

وصقلة: الحاضرة، يعني أنه غير طويل الخاصرة.

والوسيم: الْحَسَن.

وكذلك: القسيم.

والدعج: السواد فِي العين.

والوطف: الطويل شعر الأجفان.

والصحل: البحة.

والسطع: الطويل.

والكثاثة: كثرة الشعر.

والأزج: الرقيق طرف الحاجبين.

والأقرن: المقرون الحاجبين، بخلاف مَا فِي حَدِيث أَبِي هالة.

والنزر: القليل.

والهذر: الكثير الكلام، فكلامه وسط.

وتقتحمه: تحتقره، تعني أنه بين الطويل والقصير.

والمحفود: المخدوم.

والمحشود: الَّذِي عنده حشد، وهم الجماعة.

والعابس: من عبوس الوجه.

والمفند: الَّذِي يكثر اللوم، وَهُوَ التفنيد، ويروى: معتد من العداء وَهُوَ الظلم.

والصريح: الخالص.

والضرة: لحم الضرع، وفي رواية: فتحلبت لَهُ بصريح، وَهُوَ الصواب.

وغادرها: أي خلف الشاة عندها مرتهنة بأن تدر.

وقول حسان: تسفهوا عمايتهم: أي الزموا العمى سفها.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015