حَجَجْتُ مَعَ الْمَهْدِيِّ فَلَمَّا بَلَغْنَا وَاقِصَةَ اسْتَطَابَ الْمَهْدِيُّ مَوْضِعًا، فَقَالَ: نُطْعَمُ طَعَامُنَا هَهُنَا، فَوُضِعَ الطَّعَامُ، فَإِذَا نَحْنُ بِأَعْرَابِيٍّ يَؤُمُّنَا مِنَ الْبَادِيَةِ، يَقُودُ أَمَةً سَوْدَاءَ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ ": سَيُفْسِدُ عَلَيْنَا هَذَا الْأَعْرَابِيُّ طَعَامَنَا، فَلَمَّا دَنَا وَسَلَّمَ، قُلْتُ لَهُ: ادْنُ فَكُلْ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقُلْتُ لَهُ: فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ مَعَ مَا تَرَى مِنْ حَرِّهِ وَشِدَّةِ وَعْكِهِ، فَقَالَ لِي: " يَا ابْن أَخِي كَانَتِ الدُّنْيَا وَلَمْ أَكُنْ، وَتَكُونُ وَلَا أَكُونُ، وَإِنَّمَا لِي فِيهَا أَيَّامٌ قَلَائِلُ، فَلَا أَتْرُكُهَا تَذْهَبُ تَغَابُنًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ
(وَمَا هَذِهِ الْأَيَّامُ إِلَّا مُعَارَةٌ ... فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فَتَزَوَّدِ)
(فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي بِأَيَّةِ بَلْدَةٍ ... تَمُوتُ وَلَا مَا يُحْدِثُ الدَّهْرُ فِي غَدِ)