فالظاهرة الدينية تبدو حين يُوَجِّه الإنسان بصرَه نحوَ السماء. هنا يظهرُ الرسول: صاحب الدعوة والرسالة، أيْ ذلك الإنسان الذي يملك أفكار اً يريد تبليغها إلى الناس مثل أرمية، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -.

فأوروبة، مهدُ عديد من الرجال العظماء، تبدو مع ذلك خارج الظاهرة الدينية في مستوى تلك الرسالات، كما لو أن طبيعة الأوربي الممتلئة بآدميّته لا تدع مجالاً للألوهيَّة.

بالمقابل فإنّ الرجل الساميَّ يبدو مُهَيَّئاً للفكرة الغيبية؛ بحيث لم تدع الألوهيَّةُ في ذاته غير قليل من المشاغل الأرضيَّة.

ويأْتي في منتصف الطريق بين الساميَّة والآريَّة الشماليَّة، اليونان الذي يشغل عالَمه بالأشكال ويملأ وحدته بمشاعر الجمال حتى إنه ليسميه (الخير) كما لاحظ تولستوي في تأملاته العميقة حول الفن (?).

بالإجمال فإن أوربة رَكَّبت في مضمون ثقافتها مزيجاً من الأشياء والأشكال من التقنيّة والجماليَّة. بينما الشرقُ الإسلاميُّ رَكَّب في ثقافته مزيجاً من فكرتين: الحقيقةِ والخيرِ.

هذه الخطَّة لا تتوافق مع مرحلة معينة من التاريخ فحسب، بل مع سائر مراحله التي فيها يتداول كرقاص الساعة في دقاته المزدوجة، صعودُ الحضارة العالميَّة إلى القمة وهبوطها إلى الحضيض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015