إلى الذى فطر السماوات وفطر الجرم الأقصي وفطر الآمر بتحريكها، فوصلوا إلى موجود منزه عن كل ما أدركه بصرٌ من قبلهم، فأحرقت سبحات وجهه الأول الأعلى جميع ما أدركه بصر الناظرين وبصيرتهم فإذ وَجَدوه مقدساً منزهاً عن جميع ما وصفناه من قبل.
ثم هؤلاء انقسموا: فمنهم من احترق منه جميع ما أدركه بصره وانمحق وتلاشى، لكن بقى هو ملاحظاً للجمال والقدس وملاحظاً ذاته في جماله الذى ناله بالوصول إلى الحضرة الإلهية. فانمحقت فيه المبصرات دون المبصَر. وجاوز هؤلاء طائفة هم خواص الخواص فأحرقتهم سبحات وجهه وغشيهم سلطان الجلال فانمحقوا وتلاشوا في ذاتهم ولم يبق لهم لحظ إلى أنفسهم لفنائهم عن أنفسهم. ولم يبق (و 22ـ ا) إلا الواحد الحق. وصار معنى قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} لهم ذوقاً وحالاً. وقد أشرنا إلى ذلك في الفصل الأول، وذكرنا أنهم كيف أطلقوا الاتحاد وكيف ظنوه. فهذه نهاية الواصلين.
ومنهم من لم يتدرج في الترقي والعروج على التفصيل الذى ذكرناه ولم يُطلْ عليهم الطريق فسبقوا في أول وهلة إلى معرفة القدس وتنزيه الربوبية عن كل ما يجب تنزيهه عنه، فغلب عليهم أولاً ما غلب على الآخرين آخراً، وهجم عليهم التجلى دفعة فأحرقت سبحات وجهه جميع ما يمكن