خاتمة
هذا المثال إنما يتضح لقلوب المؤمنين أو لقلوب الأنبياء والأولياء لا لقلوب الكفار: فإن النور يراد للهداية. فالمصروف عن طريق الهدى باطل وظلمة، بل أشد من الظلمة: لأن الظلمة لا تهدى إلى الباطل كما لا تهدى إلى الحق. وعقول الكفار انتكست، وكذلك سائر إدراكاتهم وتعاونت على الإضلال في حقهم. فمثالهم كرجل في {بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} . والبحر واللّجىِّ هو الدنيا بما فيها من الأخطار المهلكة والأشغال المردية والكدورات المعمية. والموج الأول موج الشهوات الداعية إلى الصفات البهيمية والاشغال بالذات الحسية وقضاء الأوطار الدنيوية، حتى [إنهم] يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام. وبالحرِىّ أن يكون هذا الموج مظلماً لأن حب الشىء يعمى ويُصم. والموج الثانى موج الصفات السَّبُعِية الباعثة على الغضب والعداوة والبغضاء والحقد والحسد والمباهاة والتفاخر والتكاثر. وبالحرى أن يكون مظلماً لأن الغضب غول العقل. وبالحرى أن يكون هو الموج الأعلى: لأن الغضب في الأكثر مستول على الشهوات حتى إذا هاج أذهل عن الشهوات وأغفل عن اللذات المشتهاة. وأما الشهوة فلا تقاوم الغضب الهائج أصلاً.
وأما السحاب فهو الاعتقادات الخبيثة، والظنون الكاذبة، والخيالات