ويصادف كل أحد ما قدم من خير أو شرُ محضّراً؛ ويشاهد كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وعنده يقال (و 5ـ ا) {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} . وإنما الغطاء غطاء الخيال والوهم وغيرهما؛ وعندما يقول المغرور بأوهامه واعتقاداته الفاسدة وخيالاته الباطلة {رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً} الآية.
فقد عرفت بهذا أن العين أولى باسم النور من النور المعروف، ثم عرفت أن العقل أولى باسم النور من العين. بل بينهما من التفاوت ما يصح معه أن يقال إنه أولى بل الحق أنه المستحق للاسم دونه.
دقيقة
اعلم أن العقول وإن كانت مبصرة، فليست المبصرات كلها عندها على وتيرة واحدة، بل بعضها يكون عندها كأنه حاضر كالعلوم الضرورية مثل علمه بأن الشىء الواحد لا يكون قديماً حادثاً ولا يكون موجوداً معدوماً، والقول الواحد لا يكون صدقاً وكذباً، وأن الحكم إذا ثبت للشىء جوازه ثبت لمثله، وأن الأخص إذا كان موجوداً كان الأعم واجب الوجود: فإذا وجد السواد فقد وجد اللون، وإذا وجد الإنسان فقد وجد الحيوان. وأما عكسه فلا يلزم في العقل، إذ لا يلزم من وجود اللون وجود السواد ولا من وجود الحيوان وجود الإنسان إلى غير ذلك من