الحساس في موازاة المشكاة لأن أنواره تنفذ من خلال ثقوب الحواس كما ينفذ النور من المشكاة. والروح الخيالى في موازاة الزجاجة لأن كلا منهما من أصل كثيف ولكنه قابل للتصفية والترقيق والتهذيب؛ ولأن الخيال يضبط المعارف العقلية بحيث لا تضطرب ولا تنتشر على غير هدى. كما تضبط الزجاجة نور المصباح وتحفظه من الانطفاء بالرياح وغيرها. والروح العقلى في موازاة المصباح لأنه مركز الإشعاع العقلى كما أن المصباح مركز الإشعاع النورانى الحسى. والروح الفكرى في موازاة الشجرة لأن الحياة الفكرية بمثابة الشجرة متعددة الأغصان كثيرة الثمر، تنمو كلها من أصل واحد هو بمثابة الجذر من الشجرة. وقد ذكرت شجرة الزيتون خاصة لأن زيتها أنقى الزيوت وأصفاها وأكثرها اشتعالاً، فهو بذلك أصلح الزيوت للمصابيح. والروح القدسى النبوى في موازاة الزيت الذى بلغ من الصفاء مبلغاً يجعله يكاد يضىء ولو لم تمسسه نار. وكذلك نفوس بعض الأنبياء والأولياء قد بلغت من الصفاء مبلغاً بحيث تستغنى عن مدد علمى خارجى يأتيها بواسطة الملائكة أو غيرهم.
والآن ما صلة كل هذا بالآية التى تصف الله بأنه نور السماوات والأرض وتمثل هذا النور بهذه الصورة الرمزية المعقدة؟ إن هذا التأويل الذى وضعه الغزالى لا يستقيم في نظرى إلا إذا فهم الآية فهماً خاصاً فقرأها على النحو الآتى: "الله نور السماوات والأرض، مثل نوره (المتجلى في الإنسان) كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة" الخ.. وبدون هذه الإضافة تنقطع الصلة بين تأويل الغزالى والآية الكريمة. وعلى أساس هذا الافتراض نستطيع أن نفهم ما يذكره الغزالى من مراتب الأرواح في الإنسان وهى - المراتب الخمس السالفة الذكر - لأنه يعتبرها أنواعاً من الأنوار الإلهية المختلفة الدرجات، مقتبسة من نور الأنوار (الله) ، وأن الله تعالى قد ضرب لها أمثلة من العالم المحسوس بالمشكاة والزجاجة والمصباح والشجرة والزيت. أما لماذا قصر الغزالى التشبيه الوارد في الآية على النور الإلهى الظاهر في الإنسان دون سائر المخلوقات مع أنها تنص على أن الله نور السماوات