يشرح الغزالى في هذا الفصل بعض الألفاظ الواردة في آية النور: {الله نُورُ السماوات والأرض} الخ. وهذه الألفاظ هى "المشكاة"، و"المصباح" و "الزجاجة" و "الشجرة" و "الزيت" و "النار" باعتبارها رموزاً تشير إلى معان مستترة وراءها. ويمهد لهذا الشرح بمبحثين: الأول في طبيعة الرمز أو (التمثيل) ومنهاج استعماله، والثانى فى درجات الأرواح البشرية ومراتب أنوارها، وينتهى إلى أن الألفاظ السبعة المذكورة رموز لهذه الأرواح البشرية.
"تقوم نظريته في طبيعة الرمز على افتراض وجود موازاة تامة بين عالم الشهادة وعالم الغيب: العالم الجسمانى والعالم الروحانى؛ وأنه ما من شىء في عالم الشهادة إلا وهو رمز (أو مثال) لشىء في عالم الملكوت؛ وأن عالم الشهادة مرقاة إلى عالم الغيب، وإلا استحالت معرفتنا بالعالم العلوى وتعذر السفر إلى الحضرة الربوبية والقرب من الله. والله وحده هو الذى لا مثال له لأن شرط المماثلة المطابقة بوجه مّا، والله تعالى لا يطابقه شىء فلا يماثله شىء. وإذا كان الأمر كذلك، يجب أن نعتبر ألفاظ التمثيل الواردة في القرآن بمثابة مفاتيح أسرار الغيب فنؤولها كما تؤول رموز الأحلام. فكما أن الشمس في علم تعبير الرؤيا مثال لصاحب السلطان، والقمر مثال للوزير المنفذ لرغبات السلطان، كذلك للموجودات العالية الروحانية أمثلة في العالم المحسوس. وهنا يسرد الغزالى طائفة من الأمثال المقتبسة من القرآن الكريم ليوضح بها نظريته. "فالطور" مثال للموجودات العظيمة الثابتة في عالم الملكوت و"الوادى" مثال للموجودات العلوية التى تتلقى المعارف الغيبية، ومنها تجرى هذه المعارف إلى النفوس البشرية. و"الوادى الأيمن" مثال للمنبع الأول للمعرفة. و"النار" مثال لروح النبى الذى وصفه القرآن بأنه سراج منير. و "الجذوة والقبس والشهاب" أمثلة لمن يتبع النبى على استبصار لا على مجرد تقليد. و "الاصطلاء" مثال للمشاركة بين النبى