المبحث الأول
مقدمات ضرورية
لا بد في البداية أن أقرر أنه لا يسع مسلماً يؤمن بالله رباً وبالقرآن كتاباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أن يعارض حكم الله عز وجل، أو أن يطلب تحكيم ما سواه من أهواء البشر وآرائهم، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]،وقال: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)} [النور: 51، 52]،وقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
وعلى ذلك فليس المقصود من حديثنا هنا بيان الحكم الشرعي في دخول البرلمانات بقصد التشريع من دون الله عز وجل؛ فإن هذا الدخول لا يجوز أن يدور حوله خلاف أصلاً، بل هو مما يقطع بحرمته ومنافاته لأصل التوحيد، لأنه مخالف مخالفة ظاهرة لما نصت عليه الآيات التي استدللنا بها سابقاً، وفي معناها كثير من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب تعظيم شرع الله عز وجل وعدم جواز تحكيم ما يخالفه في كثير أو قليل.
وإنما مقصودنا بيان حكم دخول الإسلاميين إلى تلك المجالس من أجل المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، أو إسماع أعضاء البرلمانات حكم الله أو الدعوة إلى الله أو نحو ذلك.
إن الحكم الشرعي في المشاركة في انتخابات المجالس النيابية أو البرلمانية أو التشريعية في العالم العربي والإسلامي، قد وقع فيه خلاف فقهي بين العلماء، فالمسألة ليس فيها نص قاطع بالإباحة أو الحظر، وعليه فاختلاف الآراء فيها أمر لا غرابة فيه، فالصحابة اختلفوا في فهم أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم- فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَ