الأمر، وبمعنى الوعيد، وبمعنى الإغراء. فأما "دون" بمعنى قبل، فكقولك: دون النهر قتال، ودون قتل الأسد أهوال: أي قبل أن تصل إلى ذلك. و"دون" بمعنى وراء، كقولك: هذا أمير على ما دون جيحون: أي على ما وراءه. والوعيد كقولك: دونك صراعي، ودونك فتمَرَّسْ بي. وفي الأمر كقولك: دونك الدرهم: أي خذه. وفي الإغراء دونك زيدًا: أي الزم زيدًا حافظه. وبمعنى تحت كقولك: دون قدمك خدّ عدوك: أي تحت قدمك. وبمعنى فوق كقولك: إن فلانا لشريف، فيُجيب آخر، فيقول: ودون ذلك: أي فوق ذلك. وقال الفرّاء: "دون" تكون بمعنى "على"، وتكون بمعنى "علّ"، وتكون بمعنى بعد، وتكون بمعنى عند، وتكون إغراء، وتكون بمعنى أقلّ من ذا، وأنقص من ذا. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: المناسب هنا من هذه المعاني، كونها بمعنى "غير"، وبمعنى أقل، وأنقص، أي فكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، لا يأتي به أقلّ وأنقص مما سمعه من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بل يؤديه كما هو.
وهذا الحديث فيه قصّة، وقد ساقه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في "مسنده" بقصّته، فقال:
5521 - حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا محمد بن سوقة، سمعت أبا جعفر، يقول: كان عبد الله بن عمر، إذا سمع من نبي الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا، أو شهد معه مشهدا، لم يقصر دونه، أو يعدُوه، قال: فبينما هو جالس، وعبيد بن عمير يقص على أهل مكة، إذ قال عبيد بن عمير: "مثل المنافق كمثل الشاة بين الغنمين، إن أقبلت إلى هذه الغنم نطحتها، وإن أقبلت إلى هذه نطحتها". فقال عبد الله بن عمر: ليس هكذا، فغضب عبيد بن عمير، وفي المجلس عبد الله بن صفوان، فقال: يا أبا عبد الرحمن كيف قال -